"بتعرف حدا يساعد؟ والله العظيم حنموت من الجوع هون، لا في شغل لا أكل لا مصاري، وين بدنا نروح بحالنا؟ رح نموت من فزعنا لا معنا ليرة نهرب ولا معنا شي ناكل.. شو بدنا نعمل؟" نص رسالة صوتية لإمرأة نازحة في بلدة القصر الهرمل أرسلتها لأحد أبناء المنطقة تطلب منه العون. حالها كحال العشرات من الأهالي والنازحين، في منطقة حدودية تتعرض للقصف، ولم تصلها ولو قافلة مساعدات واحدة من ضمن خطة لجنة الطوارئ الحكومية. وهو ما جعلهم يسألون: هل ما زلنا على "الخريطة اللبنانية"!
"من هالك لمالك لقبّاض الأرواح"، هكذا يمكن إختصار عملية توزيع المساعدات وفق خطة لجنة الطوارئ الحكومية، التي تسلّم المساعدات للمحافظات، وتوزعها بدورها على البلديات، التي تعيد توزيعها على النازحين في مراكز الإيواء. خطة تناست أنّ قرابة نصف البلديات في لبنان مُنحلّة إما كلياً أو جزئياً. وتناست كذلك، نماذج بلديات كالهرمل، التي فرّ عدد من رؤساء بلدياتها وأعضاء المجالس إلى سوريا أو مناطق لبنانية أخرى، بينما يتضور النازحون جوعاً، وقد سقطت وعود محافظ بعلبك-الهرمل بشير خضر بإيصال المساعدات إلى الهرمل ضمن قافلة يوم السبت الماضي، كغيرها من وعوده السابقة."سكر وماي" لإرضاع الأطفال"جوزي مريض وعندو ورم براسه وبدي جبله أدوية... وولادي بدّي طعميهن، لو ربطة خبز ناشف". بهذه الكلمات، تستغيث إحدى النازحات في بلدة القصر الحدودية، لرئيس "نادي الجامع الرياضي" بلال جعفر، المتطوع مع مجموعة من شباب النادي، لمساعدة 77 عائلة نازحة في القصر وحدها.ويؤكد جعفر لـ"المدن" أن بعض السيدات يطعمن صغارهنّ "ماي وسكّر". ويسأل: أين الضمير؟ إذا لم نقف في الحرب إلى جانب بعضنا، فمتى نقف؟ وهل من الطبيعي أن نقبل بأن ينام أطفالنا جياعاً؟ويحمّل جعفر المعنيين جميعهم، مسؤولية عدم وصول المساعدات للهرمل، وتركها لمصيرها. ويقول: "عنا كلّن هربوا حتى القائمقام. ومنذ 25 يوماً ما حدا قلنا شو بدكن شو عايزين"، مضيفا "نحنا مناشد الله وبس".ويوضح أن المبادرات الفردية غير قادرة على تغطية متطلبات النزوح لا سيما أن المجتمعات المضيفة بدأت تعاني أيضا، ما يعني أن عدد المحتاجين للمساعدات في البلدة أكبر بكثير من عدد النازحين فيها.ويشرح أن "القصر تعرضت للقصف مرارا، والأعمال فيها متوقفة، فيما الاحتياجات ملحة، بدءا من المواد الغذائية الأولية، وصولا إلى البطانيات والفرش، ومواد التدفئة والصوبيا والمازوت، وإلا سيواجه النازحون بردا قارساً. هذا كله ولم نتحدث بعد عن تأمين الأدوية خصوصاً المزمنة منها".رؤساء بلديات فروا"دوّرلك ع رئيس بلدية أو شي حدا بالمنطقة، في حدا منن؟ أقرب واحد بحمص، هربانة العالم، منيح ما كانوا بالجنوب وبعلبك، ما شفنا حدا، العالم صرلا 25 يوم نازحة". هذا ما يقوله أحد أبناء الهرمل في تسجيل صوتي. مواطن آخر يشكو: "المسائيل عنا مرتاحين عوضعن، عالم شبعانة معها مصاري حملت حالا وهربت". تسجيلات تسخر من رئيس البلدية، الذي ترك مسؤولياته وفرّ إلى سوريا، عوض التواجد للاستجابة للأزمة والضغط على محافظة بعلبك-الهرمل لتأمين المساعدات الموعودة لأهالي البلدة.إلا أن غياب المسؤولين عن الهرمل، لا سيما بلداتها الحدودية كالقصر وفيسان، يبدأ من المحافظ بشير خضر. في السياق، يقول مختار بلدة فيسان، رياض جعفر، "حاولت الاتصال بالمحافظ من أجل متابعة موضوع المساعدات الموعودة وتأخرها، لكنه لم يجب على هاتفه".وللتأكد، حاولت "المدن" التواصل مع المحافظ خضر، لكنه لم يجب على هاتفه ولا على رسائل عبر واتساب. وكذلك فعل قائمقام الهرمل، طلال قطايا، الذي لم يرد على اتصالاتنا على خطه العادي، فيما قطع محادثتنا له عبر واتساب، بمجرد علمه بأن الموضوع يتعلق بالنازحين والمساعدات.رئيس بلدية القصر في سوريايوم السبت الفائت، تواصلت "المدن" مع رئيس بلدية القصر محمد زعيتر. الخط العادي خارج التغطية، وكان هذا أول مؤشر على مصداقية أهالي البلدة حول هربه إلى سوريا. زعيتر، وعلى عكس القائمقام، أجاب على اتصالنا عبر واتساب، مقرا بأنه بالفعل متواجد في سوريا، بقوله "بس اليوم ما نزلت، اليوم السبت وبكرا الأحد عطلة، الاثنين برجع... أنا كل يوم بالقائمقامية". للتأكد من صحة حديثه، خابرته "المدن" مجددا عبر خطه العادي اليوم الخميس، لكن الخط كان مرة ثانية خارج الخدمة.وبما أنه هو المسؤول الأول في بلدة القصر عن توزيع المساعدات، وعن ممارسة الضغط على المحافظة لمتابعة مسار تلك المساعدات وأسباب تأخرها، كان لا بدّ من سؤاله في الإتصال السابق، عن سبب تأخرها، هو الذي أكد أنه لم ينزح سوى يومين إلى سوريا، ليردّ: "عرفت إنو المحافظ كان يتابع موضوع المساعدات... ما بعرف". ويضيف "لم تأت مساعدات لبلدة القصر ولا لأي بلدة في الهرمل إلى الآن. وعُدنا بوصول المساعدات الأسبوع الماضي، لكنها لم تصل. ووعدنا مجددا بوصولها الأسبوع الحالي (لا شيء من المساعدات وصل حتى الساعة للهرمل وفق بيانات هيئة الإغاثة). وعن سبب وصول مساعدات إلى رأس بعلبك كما كان مخططاً، وعدم وصولها إلى الهرمل، يقول "قالوا كانت جايي حولوها ع رأس بعلبك وما عدت عرفت شي".ونسأله عن أداء أحزاب ونواب المنطقة خلال الأزمة فيجيب، "منن بهالبلاد". ليعود ويهوّن على نفسه، قائلا "تواصلنا مع القائمقام والمحافظ الذي قال لنا أنه سيأتي إلى الهرمل، لكن لم تأتنا مساعدات من قبله". مضيفا "شو بيطلع بإيده القائمقام أو رئيس البلدية؟". فبرأيه "واجبنا هو المطالبة بالمساعدات وإعطاء أسماء النازحين للجهات المعنية، وقد قمنا بواجبنا".بلديات منحلةعضو بلدية فيسان، أحمد جعفر، أخبرنا في اتصال معه بأنه ينزح من البلدة "كلما شعر بتهديدها" مؤكدا أنه ليس نازحا دائما خارجها. وعن المساعدات يقول "لم نتسلمها حتى اليوم. ومن جهتنا، سلمنا الجهات المعنية الإحصاءات لنازحين أتوا من بعلبك وبيروت. لكن الوضع خطير عندنا وليس فقط في الضاحية وبعلبك، ما يجعل أزمة النزوح مضاعفة".
قرابة 140 بلديّة منحلة بالكامل من أصل 1064 في لبنان، يديرها المحافظ أو القائمقام، كما أن قرابة نصف البلديات تعاني صعوبات مالية وصراعات داخلية تعرقل سير عملها، نتيجة التمديد مرتين على التوالي لتلك المجالس، المنوطة اليوم بتوزيع المساعدات على مراكز الإيواء بعد استلامها من المحافظة. وميزانيات البلديات المنهارة منذ العام 2019، جعلتها غير قادرة على تأمين اكتفاء ذاتي لإغاثة النازحين فيها. في السياق، يعلق جعفر بالقول "لا إمكانيات لدينا في البلدية للمساعدة، سيما وأنه لا جباية للضرائب لدينا، ما يجعل ميزانية البلدية محدودة".نسأله عن عدد النازحين إلى فيسان وحدها، فيجيب "هم قرابة 100 شخص. وهناك سكان من فيسان نزحوا لخارجها". وعما إذا كان هو الآخر من النازحين، يوضح "إلي شي 5 ساعات خارج الضيعة، ساعة يللي منعرف شي مننقل ع منطقة أخرى"، فالدمار هائل قربنا، وحتى قوافل المساعدات مهددة، ففي المرة الماضية كانت المساعدات آتية إلينا وضربتها إسرائيل على الطريق العين".تجدر الإشارة إلى أن مخاتير قضاء الهرمل سألوا مؤخراً في بيان عن "الإجحاف في حق هذه الفئة من المواطنين ووضعها المعيشي السيء، علما أن سعادة محافظ بعلبك الهرمل استلم يوم أمس (7 تشرين الثاني الماضي) المساعدات المخصصة للهرمل وعرسال ولم تتسلم الهرمل أي نوع من أنواع المساعدة منذ اليوم الأول للحرب حتى اليوم". وناشدوا "الوزير ناصر ياسين واللواء محمد خير وكل المعنيين بالملف، التعامل مع هذه المنطقة بإنصاف وعلى كونها جزء من الوطن".