تجاوزت ديون أمجد، وهو سوري وافد من لبنان، أكثر من 3 آلاف دولار، بعد أن اضطر لدفع أجرة السفر من بيروت نحو ريف دمشق، إضافة لأكلاف تصليح منزله المهدم جزئياً وشراء لوازم المعيشة، وسط حالة من البطالة يعانيها منذ قدومه إلى سوريا بسبب الحرب في لبنان.
ويقول أمجد لـ"المدن"، إنه اضطر وأسرته المكونة من 4 أفراد، للعودة إلى منزله في داريا بعد رحلة لجوء شارفت على عقد كامل من الزمن، مبدياً استياءه من وقوعه في فخ الاستدانة، التي "ستكون الملجأ الوحيد للأشهر المقبل".
ومع وصول تعداد الوافدين من لبنان إلى نصف مليون، يضطر معظمهم إلى الانخراط ضمن وسائل التأقلم المعيشي السلبي، خصوصاً في ظل لجوئهم إلى السوق السوداء للحصول على مستلزمات المعيشة والمحروقات والخبز ولوازم التدفئة. ويقول عدد من الوافدين السوريين لـ"المدن"، إنهم اضطروا إلى صرف المدخرات المالية و بيع المصاغ الذهبي، وصولاً إلى الاستدانة وبيع أثاث المنازل إن وجد، في حين يشكو معظمهم من تفشي البطالة وندرة فرص العمل.
ضعف التمويل
ويفضل الوافدون ممن يمتلكون منازل في مدنهم الأصلية، اللجوء إلى ترميمها ولو بشكل جزئي، بينما يلجأ من لا يملكون بيوتاً إلى منازل الأقارب، ما يزيد العبء الاقتصادي عليهم، مثل أبو حسن الذي نزح من الجنوب اللبناني إلى ريف دمشق، ولا يزال يقيم مع أسرته في منزل عائلة زوجته الفقيرة أساساً، بحسب حديثه لـ"المدن".
وقبيل الحرب في لبنان، كان أبو حسن يعمل في "نجارة الباطون" باليومية، ويشير إلى أن فكرة العودة إلى سوريا لم تكن تخطر على باله، موضحاً أن "الحياة كانت مقبولة في لبنان، لكني لم أتمكن من ادخار المال، واليوم بعت مصاغ زوجتي وأفكر في بيع أرضي، على الرغم من أن سعر السوق لا يصل إلى ربع ثمنها قبل الثورة".
ويشكو معظم الوافدين من غياب المساعدات الإنسانية التي تشرف على توزيعها منظمات مقربة من النظام، ما يجعلها عرضة للسرقة والتوزيع غير العادل. بينما أكد ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا غونزالو فارغاس يوسا، أن 68 في المئة من الفارين من لبنان، "هم سوريون يعودون إلى مجتمعاتهم المدمرة"، لافتاً إلى أنهم "يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، ولكن مع تمويل 6 في المئة فقط من النداء المشترك بين الوكالات، فإننا نواجه أزمة متفاقمة، في بلد يحتاج 90 بالمئة من سكانه إلى المساعدات".
مستقبل كارثي
ويلاحظ الباحث الاقتصادي رضوان الدبس أن القسم الأكبر من الوافدين، هم من شريحة الفقراء الذين يعمل معظمهم باليومية، ما يعني أن أوضاعهم الاقتصادية السابقة كانت سيئة لكنها غدت بعد عودتهم إلى سوريا أشد سوءاً.
ويضيف الدبس لـ"المدن"، أن "عدداً لا بأس به من الوافدين، لجأ إلى الاستدانة لدفع كلفة الرحلة، خصوصا القادمين عبر طرقات التهريب المكلفة"، موضحاً أن "سياسة التأقلم السلبي باتت طاغية لدى معظمهم، كون النزوح كان مفاجئاً وسريعاً، بحيث غدت الخيار الوحيد المتاح أمامهم، للحصول على المسكن والمأكل والملبس".
ويتوقع الدبس أن المستقبل المعيشي للوافدين سيكون كارثياً، لأن سوريا تعيش واقعاً خدمياً ومعيشياً واقتصادياً بالغ السوء، وفي ظل تدفق قرابة نصف مليون وافد، زاد العبء الاقتصادي على البلاد التي تشهد ندرة في حوامل الطاقة وتفشي البطالة، مرجحاً أن "زيادة النزوح العكسي، سينعكس ضغطاً هائلاً ليس على الدولة فقط، بل على الأقارب والمعارف الذين يعدون الملاذ شبه الوحيد للوافدين".
وحول التداعيات المترتبة عن ضعف التمويل الأممي للوافدين، يؤكد أن تمويل المنظمات الأممية ضعيف أساساً، والمشكلة الأكبر تتمثل في أن توزيع التمويل يتم عبر النظام السوري والمنظمات الإنسانية المقربة منه، ما يعني أن آليات التوزيع تخضع للفساد المستشري في بيروقراطية النظام، حيث لا يتم توزيع المساعدات بطريقة عادلة، بل يذهب معظمها إلى الفئات الموالية للنظام وللمقربين من المتنفذين وأمراء الحرب.