يتصاعد التوتر العسكري في سوريا بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران عبر ميلشياتها من جهة أخرى. إذ لليوم الثاني على التوالي تُعلن القيادة المركزية الأميركية شنَّ ضربات عنيفة ضد الميلشيات المدعومة من طهران شمال شرق البلاد، تلت هجمات على قواعد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.ويختلف التصعيد الدائر حالياً بين الجانبين، لجهة اعتماد إيران على أذرع ميلشياتها المكونة من عناصر سورية هذه المرة، وليس على الميلشيات ذاتها مثلما جرى مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة قبل نحو عام، ما يثير التساؤلات حول ما إذا كان هدف طهران من هذا التصعيد، هو وقف التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله في لبنان، أو لدفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لتعجيل سحب قواته من سوريا.هجمات أميركية عنيفة وأعلنت القيادة المركزية الأميركية فجر الأربعاء، تنفيذ ضربات جوية ضد ميلشيات مدعومة من إيران في سوريا، رداً على هجوم من الأخيرة استهدف قاعدة الشدادي في ريف الحسكة. وأوضحت أن الضربات استهدفت "مستودع أسلحة ومقراً للإمداد، ما سيضعف من قدرة الميلشيات على التخطيط وشن هجمات مستقبلية ضد القوات الأميركية"، على حد قولها.يُضاف الهجوم الأميركي إلى آخر أعلنت عنه "القيادة" قبل نحو 24 ساعة، ضد تسعة أهداف في موقعين مرتبطين بجماعات إيرانية.وعلمت "المدن"، من مصادر متابعة أن الهجومين أدّيا إلى مقتل ما لا يقل عن 9 عسكريين وإصابة آخرين من ميليشيات سورية، تُصنّف على أنها أذرع للميلشيات الإيرانية من جنسيات مختلفة غير سورية، تنتشر في ديرالزور وريفها عند الحدود مع العراق.تأتي الضربات الأميركية رداً على 3 هجمات على الأقل من قبل تلك الأذرع، حدثت منذ مطلع الأسبوع الجاري واستهدفت قاعدتين أميركيتين بواسطة صواريخ ومسيّرات، في الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، وفي ريف ديرالزور الشرقي.تشدّد أميركيويمكن القول إنه ومنذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قبل نحو عام، مرت هجمات الميلشيات بفترات من التصعيد والتراجع. فمع بدء الحرب، بدأت الميلشيات بتنفيذ هجومين أو ثلاثة في اليوم ضد قواعد أميركية مختلفة. إلا أن هذا الحال لم يعُد كذلك منذ شباط/فبراير الماضي، وذلك حينما أدى هجوم بمسيّرة إلى مقتل 3 جنود أميركيين في قاعدة "البرج22" في الأردن، عند الحدود مع سوريا.ولم تتسامح واشنطن مع هجوم شباط "الدموي"، إذ نفّذت عشرات الضربات ضد ميليشيات مدعومة من إيران، في سوريا والعراق، بالتزامن مع تقارير غربية كشفت عن تهديدات أميركية لإيران، بتنفيذ هجمات داخل طهران، في حال تكرر ما حدث، ما دفع بالحرس الثوري للضغط على تلك الميلشيات لإيقاف هجماتها، وهو ما استجابت له مع تمرّد بعضها.ومنذ شباط/فبراير الماضي، تراجعت وتيرة الهجمات إلى حدودها الدُنيا، لتعود من جديد مع بدء التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله في لبنان، قبل أقل من شهرين. ويقودنا ذلك بالمحصلة إلى أن تصعيد الهجمات ضد القواعد الأميركية، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحرب الإسرائيلية ضد حلفاء إيران.ويظهر من البيانين الصادرين عن القيادة المركزية تشدد أميركي للرد على الهجمات، مثلما كان الحال عليه عقب الهجوم على "البرج-22". وأخذ التشدد الأميركي نسقاً تدريجياً، بدأ بالرد بالمدفعية والصواريخ وغارات بالمسيّرات على مواقع انطلاق الهجمات، ووصل هذا الأسبوع إلى تنفيذ غارات جوية عنيفة ونوعاً ما مؤثرة.مستقبل التصعيديمكن القول إن التصعيد الجاري حالياً بين الولايات المتحدة وإيران عملياً في سوريا، مرتبط بما يجري في لبنان، بحسب الباحث السياسي فراس علاوي.ويرى علاوي في حديث لـ"المدن"، أن مستقبل التصعيد مرتبط بالعلاقة الأميركية- الإيرانية- الإسرائيلية في الشرق الأوسط، ما يعني وفق قوله إن التصعيد بينهم في لبنان وصولاً للخليج العربي، سينعكس طرداً على التصعيد في سوريا، وكذلك أن التهدئة ستنعكس تهدئة على الهجمات المتبادلة. ويوضح الباحث أن لقرب حدود السيطرة بين مناطق نفوذ القوات الأميركية ونظيرتها التي تسيطر عليها الميلشيات لاسيما في ديرالزور، دور في وجود احتكاكات دائمة، تزداد مع ضغط إسرائيل على حلفاء إيران في المنطقة، وتوتر علاقة طهران بواشنطن.ويؤكد علاوي أن هجمات الميلشيات الإيرانية الحالية "إعلامية وغير مؤثرة" وتستهدف محيط القواعد وليست مباشر، معيداً السبب إلى أن إيران تريد من ذلك توجيه حاضنة "محور المقاومة" إلى سوريا، لتخفيف من حدة الانتقادات ضدها وضد مبدأ "وحدة الساحات". وفي نفس الوقت يؤكد أن الهجمات غير مؤذية حتى الآن، فالمراد منها هو دفع الإدارة الأميركية بقيادة ترامب، لتعجيل سحب قواتها من قواعدها شمال شرق البلاد.ويشير إلى أن جميع الهجمات تتم بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، على الرغم من استخدام أذرع الميلشيات مثل "الدفاع الوطني" و"جيش العشائر" لتنفيذها، معتبراً أن ذلك أمر لافت.