تكرر إسرائيل آلياتها التفاوضية المعتادة. تكثّف من التسريبات وعمليات الضخ الإعلامي حول الوصول إلى اتفاق جديد على وقف إطلاق النار مع حزب الله على الجبهة اللبنانية. إنها محاولة جديدة لتحميل لبنان مسؤولية فشل المفاوضات، خصوصاً أن بنود الاتفاق التي يسرّبها الإسرائيليون تدمج ما بين اتفاقين. الأول جانبي بين تل أبيب وواشنطن ولم يطلع عليه لبنان ولا يمكن أن يتبناه أو يوافق عليه. والثاني هو جزء من البنود التي جرى التوافق عليها بين المسؤولين اللبنانيين والمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. طريقة التسريب كانت مفخخة، أولاً من خلال دمج الاتفاقين مع بعضهما البعض، وثانياً من خلال تمرير عبارة أن الجيش اللبناني سيتولى مهمة تدمير البنى التحتية ومراكز حزب الله في الجنوب.
مهام ديرمر
لبنان لم يتسلّم أي مسودة من المسودات التي جرى تسريبها من قبل الإسرائيليين، بل يمتلك نص الاتفاق الذي أبرم مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، وينص على تطبيق القرار 1701، وتوفير الضمانات لآلية تطبيقه، بما فيها تشكيل لجنة مراقبة أميركية وفرنسية، مع لبنان، إسرائيل والأمم المتحدة، إلى جانب كل البنود التي نُشرت سابقاً، وتتعلق بدخول الجيش إلى الجنوب، وتعزيز عمل قوات اليونيفيل، وانسحاب حزب الله، وإطلاق مسار ترسيم أو تثبيت الحدود البرية بما يضمن تكريس استقرار طويل الأمد.
من ضمن التسريبات الإسرائيلية أيضاً، هي محاولة لإشراك روسيا في لعب دور أساسي حول الوصول إلى اتفاق، وأن تكون طرفاً ضامناً من الجهة السورية. ولهذا السبب جاءت زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر إلى موسكو. كما سيكون له زيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية للقاء مسؤولين أميركيين وأعضاء من فريق ترامب، لا سيما أن ديرمر هو الشخصية التي تتولى منذ أكثر من عشر سنوات العلاقة بين نتنياهو والحزب الجمهوري الأميركي، ومع ترامب تحديداً. لذا فإن زيارة ديرمر إلى واشنطن لا تتعلق فقط بالملف اللبناني، بل بمناقشة ملفات المنطقة ككل، خصوصاً في ظل ترقب إسرائيل لتغيّر في مستوى العلاقات الروسية الأميركية. إذ كل المؤشرات تفيد بأن ترامب سيجدد علاقته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للبحث في ملفات كثيرة، تريد إسرائيل أن تلعب دوراً فعالاً بين أميركا وروسيا، خصوصاً بعد قطيعة بين البلدين خلال ولاية جو بايدن، وعلى خلفية الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي سيناقش مع فريق عمل ترامب الملف الإيراني، ويقدّم تقريراً مفصلاً حول المشروع النووي سعياً وراء طموح نتنياهو في توجيه ضربة ضد إيران.
دور روسيا وأهداف إسرائيل
عندما طُرحت فكرة إدخال تعديلات على القرار 1701، أسقطها الأميركيون، لأن أي تعديل بقرار دولي يحتاج إلى موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية، ما يعني أن روسيا يمكن أن تستخدم حق النقض الفيتو ضد هذا التعديل. ولأن واشنطن لا تريد لموسكو أن تلعب أي دور في ملف الصراع بين إسرائيل وحزب الله، أسقطت أميركا الخطوة، وذهبت للبحث عن اتفاقات جانبية مع لبنان وإسرائيل من دون الحاجة إلى مجلس الأمن الدولي. يؤشر ذلك إلى آلية تعاطي إدارة جو بايدن مع روسيا، وإبعادها عن ملفات المنطقة، لأن أي مشاركة روسية في ذلك ستفتح مفاوضات أميركية روسية حول الوضع الأوكراني، وهو ما لا تريده إدارة بايدن. أما مع ترامب، فإن ذلك يمكن أن يتغير بناء على تصريحاته، وهي اللحظة التي التقطها الإسرائيليون لإعادة تعزيز العلاقة مع روسيا ولعب دور بين البلدين الكبيرين، انطلاقاً من ملف لبنان أو ملف قطع طرق الإمداد العسكرية لصالح حزب الله انطلاقاً من الأراضي السورية.
الأهداف الإسرائيلية الموضوعة لهذه الحرب كبيرة جداً، ولم تتحقق حتّى الآن. لذا، فإن لبنان يتعاطى مع ما يفتعله الإسرائيليون من "إيجابيات" بأنه نوع من المناورات الإسرائيلية الجديدة، وانتهاج آلية التفاوض تحت النار، خصوصاً في ضوء التسريبات التي تحدثت عن مصادقة رئيس الأركان الإسرائيلي على توسيع العملية البرّية. سعي إسرائيل للتواصل مع روسيا وأميركا، يهدف إلى تغيير وقائع كثيرة في المنطقة، لا تشتمل على جنوب نهر الليطاني فقط، بل على لبنان ككل وعلى الحدود اللبنانية السورية، وتصل إلى إيران أيضاً، خصوصاً من خلال تركيز إسرائيلي على التواصل مع ترامب، لتوجيه ضربة إلى إيران، مع محاولة لتحييد روسيا مقابل أثمان في أوكرانيا.