يعيش قطاع التعليم في وكالة الأونروا في لبنان أزمات متعددة على وقع العدوان الإسرائيلي، وتجلى ذلك في عجز الأونروا عن إطلاق العام الدراسي في الموعد الذي ضربته، وعن تقديم طروحات جادة لسير العملية التعليمية ترضي المجتمع المدني، والطلاب الذين تجاوز عددهم 37 ألف طالب، يتلقون تعليمهم في 65 مدرسة تتبع الوكالة في لبنان. كما أن تداخل أزمة التعليم بأزمة الإيواء والإغاثة يفاقم الأزمتين معاً.
تفتقر الأونروا عموماً لسجلات النازحين الفلسطينيين التي يمكن أن تساعد في وضع خطة للتعليم أو الإيواء، فهناك حوالى مائة ألف نازح فلسطيني، خصوصاً من مخيمات وتجمعات جنوب لبنان، ومخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، تجهل الأونروا أماكن نزوحهم، خاصة وأن هذا النزوح متحرك، مما يصعب عمليات الإحصاء، وبالتالي يجعل من إجراءات اتخاذ القرار مهمة شبه شاقة.عدم انتظام العملية التعليميةتقوم الأونروا حالياً بتشغيل 11 مركز إيواء للطوارئ في جميع أنحاء لبنان، نصفها في شمال لبنان، وهذه المراكز هي مدارس بالأصل، تأوي ما مجموعه 3,669 نازحاً، من بينهم 685 لبنانياً، و745 سورياً، والباقي فلسطينيون، مما يصعّب انتظام العملية التعليمية، إذ تعجز الأونروا حتى الآن عن إيجاد مراكز بديلة. وكان من المقرر أن تفتتح الأونروا عدداً من المدارس في الشمال في الرابع من الجاري لتلقي الطلاب تعليماً حضورياً لكن تعذّر ذلك.
ومع إعلان الأونروا نيتها الشروع في إخلاء ثلاث من المدارس الست التابعة للأونروا في مخيم نهر البارد والتي يشغلها نازحون، بدأ الحراك المدني في المخيم بالتجوال على الفعاليات، والضغط على الأونروا، لأنه رأى أن ذلك غير ممكن إنسانياً. فالمدارس الست، وهي: بتير، مجدو ومزار، عمقا، طوباس، غزة، وجبل طابور، بالكاد تتسع لـ 1600 نازح يقيمون فيها، وتفريغ النازحين من المدارس الثلاث الأخيرة، عدا عن عبئه الإنساني، فلا إمكانية لوجستية لذلك. على سبيل المثال فإن الصف الواحد حالياً فيه حوالى 20 نازحاً، و"الفرشة ملاصقة للفرشة" كما يقول أحد النازحين، فكيف إذا جرى التخلي عن نصف المدارس؟الشعور بالخطرلذلك صرفت الأونروا النظر عن هذه الخطة، وبدأت البحث عن بدائل. فسعت إلى استئجار بعض الأراضي المحيطة بالمخيم، لتركيب مدارس جاهزة عليها، وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لم يجرِ التعاقد مع أي صاحب أرض، رغم أكثر من استطلاع لأراضٍ ربما تستوفي الشروط. وجرى طرح بأن تقوم الأونروا بدفع بدل إيجارات للنازحين، لإيجاد سكن بديل، لكن ذلك تعيقه الأزمة المالية في الأونروا، وقلة المنازل المعروضة للإيجار.
وفي كل الأحوال، فإن هذه الطروحات تأخذ وقتاً طويلاً لوضعها موضع التطبيق، مع العلم أنه في العام الماضي، رغم انتفاء الظرف الأمني، إلا أن الكثير من مدارس الأونروا في لبنان عجزت عن الالتزام بفتح المدارس بالمواعيد الموضوعة سابقاً. وقد تناولت "المدن" مشكلة التعليم في الأونروا من خلال تقارير عدة في السنوات الماضية التي سبقت العدوان، مما يجعل شعوراً واقعياً ومضاعفاً اليوم.
ولم يصدر سوى بيان واحد عن اتحاد المعلمين في لبنان بتاريخ 6/11/2024 قال فيه إنه عقد لقاءً افتراضيًّا مع مديرة برنامج التّربية والتّعليم في وكالة الأونروا في لبنان ميرنا الشّما "وقد أكّدت مديرة الدّائرة أنّ الخطّة مُكوّنة من عدّة مراحل ستبدأ المرحلة الأولى في ١١ تشرين الثّاني الجاري، وتنتهي في ٣٠ تشرين الثّاني، وستكون الدراسة فيها عن بعد". لكن غموض البيان ضاعف الأسئلة بدل من أن يكون مصدراً للتوضيح. خصوصاً وأن التعليم عن بعد يزيد القلق لدى الفلسطينيين بعدما كانت نتائج هذه الصيغة خلال مرحلة كورونا كارثية. بل اعتُبرت عاملاً رئيسياً في إلحاق أشد الأذى بالنتائج الرسمية لطلاب مدارس الأونروا. أجهزة الدولة غائبةعلى صعيد أزمة النزوح والإيواء شهدت الكثير من المخيمات اعتصامات عديدة، تطالب الأونروا بإعادة فتح عياداتها في بعض المخيمات والتجمعات، وتقديم مساعدات عينية ومادية للفلسطينيين، خصوصاً أن معظم العمال الفلسطينيين هم عمال مياومون.
ومن خلال استطلاع "المدن" لآراء النازحين في الشمال، خلصت إلى أن الوجبات المقدمة في مراكز الإيواء تنقسم إلى قسمين: وجبة الغداء التي تقدمها مؤسسات دولية من خلال جمعيات محلية، أما وجبتا الفطور والعشاء فهما عادة يقدمهما المجتمع المدني الفاعل تاريخياً في مخيم نهر البارد. ومما يثير المخاوف من أن يعجز المجتمع المدني والمتبرعون المحليون عن الاستمرار في هذا المسار.
أما النازحون فهم بانتظار افتتاح مطبخ الأونروا داخل المراكز والذي تأجل أكثر من مرة. ولوحظ أن أجهزة الدولة اللبنانية الإغاثية غائبة عن المساهمة رغم وجود نسبة كبيرة من اللبنانيين في هذه المراكز. إضافة إلى مشكلة النقص في الطعام، هناك مشكلة النقص في الفرشات حيث يُعمد مثلاً إلى توزيع فرشتين لكل ثلاثة أطفال وغطاء واحد. ولا يوجد عازل بين الفرشات والبلاط، في ظل اشتداد البرد. كما أن هناك نقصاً في الثياب، يحاول المجتمع المحلي تعويضه من خلال التبرعات الأهلية.
وحتى اليوم فإن نسبة النازحين الفلسطينيين في مراكز إيواء الأونروا هي أقل من 1.5 بالمائة من نسبة الفلسطينيين في لبنان، وحوالي 3 بالمائة من نسبة النازحين الفلسطينيين، ورغم ذلك يسود الإرباك عمل الأونروا الإغاثي، فإذا زاد عدد النازحين الذين يلجأون إلى مراكز الإيواء التي حددتها الأونروا، فستكون الكارثة مضاعفة.لا خطة للتعامل مع الطلابعضو دائرة اللاجئين ووكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أحمد سخنيني أشار في حديثه للمدن إلى أنه لم يصدر حتى الآن أي بيان من وكالة الأونروا حول استراتيجيتها لافتتاح العام الدراسي الحالي "تداولت أنباء عن تجميع النازحين في مراكز الشمال، تمهيدًا لافتتاح المدارس هناك، بينما لم تتضح أي رؤية أو خطة واضحة للتعامل مع الطلاب في مناطق بيروت، البقاع، والجنوب، حيث يشكل الوضع الأمني تحديًا كبيرًا".
وتابع أنه "على إدارة الأونروا وقسم التعليم التابع لها أن يبحثا في الآليات الممكنة لضمان استمرارية العملية التعليمية، سواء عبر التعليم المدمج أو التعلم عن بُعد، أو من خلال المدارس المتنقلة أو المراكز التعليمية او في المدارس حيث أمكن ذلك".
ورأى أن "هناك قصوراً واضحاً في تقديم الخدمات الأساسية، لقد توقف العديد من الخدمات في مراكز الأونروا في المخيمات في الجنوب وبيروت والمناطق الأخرى، وأغلقت العيادات الصحية ومراكز الشؤون الاجتماعية، فيما لم تستجب خطة الإيواء المحدودة المقدمة من الاونروا للتحديات المتزايدة، ولم تلحظ الصامدين في بيوتهم ومخيماتهم".
وشدد على وجود "تقصير في دور المرجعيات الرسمية: الأونروا، منظمة التحرير الفلسطينية والدولة اللبنانية بالضغط على المجتمع الدولي لتأمين الميزانيات المالية اللازمة".
وتواصلت "المدن" مع وكالة الأونروا للإجابة حول تساؤلات تتعلق بالوضع التعليمي والإغاثي، لكن طلبت الوكالة استمهالها لحين الانتهاء من بعض ورش العمل الطارئة حول الموضوع، والوصول لخلاصات نهائية متعلقة بالإغاثة والتعليم.