عندما كان يُطرح موضوع نزوح كل الجنوبيين الذين كانوا لا يزالون في قراهم حتى تاريخ 23 أيلول الماضي، كانت التطمينات تنهال على الجميع على اعتبار أن بحث تفاصيل معالجة ملف النزوح قد انتهى. وقد وُضعت الخطط الكاملة لمواجهة هذه المسألة. وهو ما لم يحصل لأسباب عديدة أبرزها الضربة القاسية التي تعرّض لها جسم حزب الله الإداري في تفجيرات "البايجر" والأجهزة، وخروج مليون نازح من الجنوب والضاحية وبعض مناطق البقاع في وقت واحد.ما قبل 23 أيلول وما بعده
منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول من العام الماضي، كان ملف النزوح من الملفات التي يعالجها حزب الله بشكل دقيق. وكانت أعداد النازحين لا تزيد عن 100 ألف نازح، فكان الحزب عبر شعبه في القرى والبلدات، يساهم بدفع الإيجار الشهري لمن لا يستطيع الدفع. ووصلت المبالغ المخصصة للإيجار إلى 300 دولار أميركي، وكان يخصص لكل عائلة مبلغاً مالياً مقطوعاً عبارة عن 100 دولار (ارتفع إلى 200 لاحقاً) وحصة أو حصتين غذائيتين بحسب حجم العائلة.وقبل اشتداد العدوان الإسرائيلي على لبنان، كان يؤمن حزب الله لمن يتهدّم منزله في الجنوب، ولا يملك منزلاً بديلاً عنه، ايجار منزل لمدّة عام، ويساعده في شراء أثاث للمنزل. كان يدفع مبلغ 12 ألف دولار أميركي لمن تتوافر فيه هذه الشروط، ولكن بعد 23 أيلول تبدّل المشهد.تُشير بعض المعلومات الخاصة بـ"المدن" إلى أن الحزب غيّر استراتيجية التعامل مع ملف النزوح على مرحلتين. الأولى في شهر أيار الماضي يوم بدأ الحزب يعدّ العدّة لنزوح مئات الآلاف، فحضّر الفرش في مستودعات على مشارف الضاحية وخارجها. وجهّز العدّة للمطابخ المركزية في أكثر من منطقة. أما المرحلة الثانية لتغيير الإستراتيجية فانطلقت منذ نهاية شهر آب وبداية شهر أيلول، بعد أن شعر بأن الحرب تتخذ منحىً مختلفاً. وتشدّد المصادر على أن المشكلة كانت بتنفيذ الخطط لا وضعها، والسبب بطبيعة الحال كان العدوان الإسرائيلي الذي بدأ بالأجهزة ووصل إلى استهداف الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله.ما بعد 23 أيلول تبدّل المشهد بشكل كامل، فشهدت الأيام الأولى للحرب غياب أجهزة الحزب عن ملف النزوح للأسباب آنفة الذكر. وبعد أسبوع إلى 10 أيام أعاد الحزب إطلاق خطته تدريجياً. وهو اليوم يستعد بشكل فعّال للعمل على خط دعم النزوح، خصوصاً في المراكز. أما النازحون في الشقق والمنازل فقد بدأوا بطرح تساؤلات كبيرة حول مصيرهم بعد التقارير عن طول مدّة الحرب.اليوم بحسب معلومات "المدن" توقف الحزب عن خطته السابقة التي تقضي بمساعدة النازحين ببدلات الإيجار. ولم يعد هناك إمكانية لدعم من يفقد منزله بشكل كامل، إلى حين انتهاء الحرب. وتكشف المعلومات أن بدلات الإيواء بعد الحرب ستعود بالكامل إلى كل من خسر منزله، و"ستعود المنازل أجمل مما كانت".برامج متعددة لدعم النازحينكان التركيز في المرحلة الأولى، ومع اشتداد العدوان، على دعم النازحين في المراكز. وهو ما أدى إلى رفع الصوت من قبل نازحي المنازل والشقق. لذلك بدأت جهات رسمية وحزبية اليوم تعمل على برامج لدعم الصمود. وتكشف مصادر متابعة لهذا الملف عبر "المدن" أن بلدية الغبيري على سبيل المثال أطلقت منذ أيام برنامجاً لدعم النازحين في نطاقها، عبارة عن تقديم مساعدات عينية ومالية. كذلك تحرك حزب الله في بيروت من خلال التحضير لبرنامج "صامدون" حيث يقوم اليوم بإعداد اللوائح والجداول. وهذه البرامج بحسب المصادر ستطال نازحي مراكز الإيواء والذين هم خارجها أيضاً.كذلك تكشف المصادرعن أن بلديات في الجنوب باشرت بالتعاون مع المحافظين تسجيل النازحين ومناطق تواجدهم، مشيرة إلى أن المحافظين قرروا الإعتماد على البلديات لتوزيع مساعدات على النازحين التابعين لكل بلدة، لصعوبة الوصول إليهم بشكل مباشر.أما في البقاع، فقد أطلق حزب الله "هيئة الإغاثة الشعبية"، وهذه بحسب المصادر، ستنفذ الخطة القديمة التي وُضعت قبل اشتداد العدوان في 23 أيلول الماضي، مشيرة إلى أن هذه الهيئة المكونة من آلاف المتطوعين، ومعنية بمتابعة كل شؤون الحرب وتداعياتها، لا مسألة النزوح وحسب.إلى جانب البرامج والمبادرات اللبنانية، تنفذ المرجعية الشيعية في العراق، السيد علي السيستاني، برنامجاً خاصاً أيضاً لدعم النازحين في مراكز الإيواء. ويتم توزيع 100 دولار أميركي على كل عائلة داخل المراكز، وتكشف المصادر أن العمل جار حالياً على إيجاد آلية للوصول إلى النازحين خارج مراكز الإيواء.صعوبات النازحين خارج مراكز الإيواءلا شكّ أن كل الجهات العاملة على خطّ النزوح، تُعاني في التعامل مع النازحين خارج مراكز الإيواء، فهؤلاء يشعرون أنهم شبه متروكين لمصيرهم، لذلك بدأ صوتهم يرتفع للمطالبة بمساعدتهم. فمن كان يمتلك المال للإيجار لن يتمكن من الصمود لأشهر. ومن يأوي في منزله عائلات من الأقارب الذين فقدوا أعمالهم ومداخيلهم الشهرية يُعاني في تأمين أبسط مقومات الحياة. لذلك يجب أن يكون التركيز اليوم على هذه الفئة من النازحين، وإلا سنكون أمام مشكلة إجتماعية كبيرة في وقت قريب.