بعد مهمة استمرت نحو عام، أنهى الجيش الإسرائيلي مهمة فرقة الاحتياط 252 وسط قطاع غزة، واستبدلها بقوات الفرقة 99، وهي خطوة أثارت تساؤلات عن دلالاتها العملياتية والتكتيكية الآن.
وجاء إنهاء مهمة الفرقة 252 بعد إتمامها قبل أيام قليلة عملية عسكرية، هدفت إلى توسيع وتأمين محور نتساريم العسكري، وتحييد قدرات المقاومة على تنفيذ هجمات وإطلاق قذائف هاون ضد المحور المُقسّم للقطاع. وادعى الاحتلال أنه فجر في عمليته الأخيرة، أنفاقاً ومنازل "استخدمها مسلحون"، بالترافق مع أعمال تجريف أراضٍ واسعة قرب المحور.
وزعم جيش الاحتلال أن الفرقة المذكورة تمكنت على مدار أشهر من القتال في المنطقة، من "قتل مئات المسلحين، وتدمير أكثر من 10 كيلومترات من الأنفاق، بالإضافة إلى عشرات الأعمدة والبنى التحتية التي كانت تشكل تهديداً لقواتنا".
فروقات تكتيكية.. والمهمة واحدة
وأجمع خبراء عسكريون فلسطينيون ومتخصصون بالشأن الإسرائيلي في أحاديثهم لـ"المدن"، على أن الفرقة 252 تعدُّ لوجستية ومزودة بقوات هندسية ومعدات لرصد أنفاق، ومداهمة منازل، وتمشيط مواقع، بينما تؤدي الفرقة 99 التي استملت المهمة حديثاً في وسط القطاع، وظيفة تكتيكية متمثلة بـ"البقاء والسيطرة الميدانية".
في حين، قال المراسل العسكري لتلفزيون "مكان" العبري إيال عاليما إن خطوة الاستبدال هدفها تمكين فرقة الاحتياط من تسريح بعض القوات، وأيضاً "الانتعاش والتأهيل".. وهو إجراء يقوم به الجيش لمنع تضرر كفاءة القوات والفرق المختلفة، بما يدل على نية الاحتلال البقاء طويلا في المنطقة.
وبيّن المراسل الإسرائيلي في حديثه التلفزيوني، أن الفرقة 99 التي استلمت المهمة هي مشاة، أما فرقة 252 مدرعة، لكنه أوضح أنه لا فروق جوهرية في مهمة كل منهما، والتشكيلات اللازمة في محور نتساريم، وتنفيذ عمليات وسط القطاع.
مرحلة جديدة؟
بدوره، اعتبر مصدر من حركة حماس في غزة أن خطوة الاستبدال تؤشر إلى دخول المشهد العسكري في القطاع مرحلة جديدة، وأن جيش الاحتلال يسعى إلى زيادة فعالية عملياته وتجنب التراجع.
وأضاف المصدر الحمساوي لـ"المدن"، أن الفرقة الجديدة 99، "دفاعية ومعروفة بتجهيزاتها للتأمين والسيطرة"، ما يعكس نية الاحتلال مواصلة الحصار والفصل العسكري وتجزئة القطاع.
ولم يستبعد المصدر أن يكون الاستبدال، وإراحة الفرقة 252، بمثابة تحضير لأدائها مهمة لاحقة في شمال القطاع، مرتبطة بتكريس وتأمين محور جديد يفصل مدينة غزة عن شمالها، في مسعى لاستعادة محور قديم أقامته إسرائيل في المنطقة خلال احتلالها غزة قبل الانسحاب عام 2005، وكان يسمى حينها محور "سديروت".
إمعان بتفريغ الشمال
في غضون ذلك، يواصل جيش الاحتلال عمليته البرية في جباليا ومناطق أخرى شمال القطاع منذ نحو شهر، وسط ترويج لاحتمالية استمرارها لأشهر إضافية.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن شمال القطاع أصبح "شبه خالٍ جراء العملية"، مدعية أنه لم يتبقَ في مخيم جباليا سوى عدة مئات من السكان الفلسطينيين، بعد إجبار عشرات الآلاف على النزوح تحت النار، كما زعمت أنه تبقى في مشروع بيت لاهيا 4 آلاف شخص، وأن الجيش الإسرائيلي يعمل على إخلاء المنطقة خلال أيام قليلة.
بدوره، قال مصدر محلي من شمال القطاع لـ"المدن"، إنه تبقى في مخيم جباليا بضعة آلاف، وليس فقط مئات، مؤكداً أن عدداً كبيراً من السكان اضطروا للنزوح نحو مدينة غزة. وأشار المصدر إلى أنه رغم تأثير عملية شمال القطاع على وتيرة المقاومة، إلا أن الاشتباكات ما زالت مستمرة.
ضبابية.. بعنوان "تطهير المنطقة"
واللافت أن المراسل العسكري لإذاعة "مكان" أقر في إفادته الصباحية، أن الوضع الإنساني في شمال القطاع "أكثر مأساوية مما كان متوقعاً"، وهو أمر عدّه "مثيراً لعلامات استفهام"، وأبرزها: إلى أين تتجه إسرائيل في شمال القطاع؟ وماذا تريد أن تحققه؟
ونوه المراسل العسكري إلى أنه سأل "مصدراً عسكرياً كبيراً" بشأن ارتباط ما يجري بتطبيق خطة "الجنرالات" دون إعلان رسمي، أو بأسماء أخرى، أجابه المصدر بأن "الجيش لا يعلم بالخطة، وأنه ينفذ تعليمات تقضي بتطهير المنطقة".
وتابع المراسل أن هناك ضبابية بكل ما يجري شمال القطاع، وأنه على الأرض"لا إدخال مساعدات إلى المنطقة التي تُخلى من السكان، وأصبحت جباليا الأكثر اكتظاظاً بالسكان.. شبه خالية". بينما تُحاصر مدينة غزة من القوات الإسرائيلية الموجودة شمالاً، وجنوب وادي غزة، ومحور نتساريم الذي يعده الاحتلال "محورا استراتيجيا".
إلى جانب تهجير السكان، فجّر الاحتلال ودمر وهدم معظم المباني في جباليا، وحاول التضليل بشأن ذلك، بادعائه أن كتائب "القسام" فخخت معظم الطرق في المخيم، إضافة إلى نحو 200 من المباني فيه، "ما اضطره إلى تفجير المباني".. وهي ذريعة احتلالية تهدف إلى جعل المنطقة غير صالحة للسكن، وبالتالي منع أي فرصة لعودة النازحين إلى المنطقة مجدداً.
نقاط استراتيجية.. ومركزية
بدوره، قال رئيس شبكة الأقصى الإعلامية التابعة لحماس وسام عفيفة إن جيش الاحتلال يعزز تواجده في نقاط استراتيجية شمالَ القطاع، مثل التوام والصفطاوي، أبو شرخ غربا، بلوك 1 و 2 جنوباً، وصلاح الدين شرقاً.
وأضاف عفيفة لـ"المدن"، أن الاحتلال يطبق حصاراً خانقاً عبر نقاط تفتيش مركزية عند نادي جباليا والإدارة المدنية والمستشفى الإندونيسي، بموازاة توزيع أوامر إخلاء واسعة أدت إلى نزوح عشرات الآلاف باتجاه غزة.
سياسياً، أفاد مصدر أميركي "المدن"، بأن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال اتصال دام 20 دقيقة الأربعاء، بأنه لن يتخذ قراراً أحادياً بإنهاء الحرب في لبنان وغزة، حينما يتولى مهمته رسمياً، وإنما بالتنسيق مع نتنياهو، وبموجب اتفاق يضمن المصلحة الإسرائيلية والأميركية.