مع اقتراب فصل الشتاء، وتحول الطقس إلى بارد في المرتفعات، جالت "المدن" على مراكز إيواء في منطقة إقليم الخروب وصيدا، للوقوف على حاجات النازحين ومدى توفر مستلزمات التدفئة والأمتعة التي تقيهم برد الشتاء.يختلف الوضع الخدماتي والإكتظاظ، بين مركز وآخر، سواء في مدينة صيدا، أو في مناطق إقليم الخروب والشوف. فيما الإختلاف الأكبر، يتعلق ببرودة الطقس، الذي بدأ يتحسسه بشكل كبير النازحون، في المناطق المرتفعة عن سطح البحر، سواء في مراكز الإيواء، أو المنازل المستأجرة غير المفروشة، وينام ساكنوها على الفرش الإسفنجية من دون أغطية.الاستعداد للشتاءتستضيف بلدات وقرى إقليم الخروب، جنوب مدينة صيدا، حوالي 65 ألف نازح، السواد الأعظم منهم، يقيم في منازل مستأجرة أو ضيافة، أما الباقون، يقيمون في مراكز إيواء، لاسيما المدارس والمعاهد والمراكز الصحية. وتضم بلدة برجا الغالبية من هؤلاء النازحين، وقد وصل عددهم إلى 27 ألف نازح. قسم منهم يقيم في ثمانية مراكز إيواء، غير مزودة بوسائل تدفئة شاملة.
يقول رضوان بيضون، الموجود مع عائلته في مراكز "مدرسة الديماس" منذ بداية النزوح: "بدأنا نشعر بالبرد نسبياً. المشرفون على المركز يستعدون لفصل الشتاء، وقد تم تزويد عوائل النازحين، الذين يقيمون في غرف مستقلة، بمدافيء تعمل على الغاز، وقارورة غاز لكل غرفة، فضلاً عن تزويد النازحين بالحرامات". مستدركاً "همنا الأساسي العودة إلى قرانا التي لا بديل عن دفئها".يختلف واقع مراكز إقليم الخروب عن منطقة بعقلين على سبيل المثال لا الحصر. حل فصل الشتاء وبرده القارس باكراً. وتصف النازحة زينب سيد من منطقة صور، واقعها مع البرد بالقول: "تلّج قلبي ها اليومين". وتشرح: "الطقس انقلب وبدأنا نشعر بالبرد الشديد في ساعات المساء والصباح. لم نعتد على هذا الطقس في منطقة صور".بطّانية واحدة غير كافيةولفتت إلى أنه قبل أيام، جرى تزويد كل نازح بـ"بطانية واحدة، لكنها لا تكفي أبداً، في ظل عدم وجود وسائل تدفئة تقيهم البرد والصقيع". وأعربت عن قلقها من قول أهالي المنطقة إن موعد الصقيع الحقيقي في المنطقة لم يحن بعد في هذه المنطقة المرتفعة عن سطح البحر. لكنها لفتت إلى "أن المشرفين على المراكز في المنطقة أقدموا على تركيب سخنات مياه تعمل على الغاز، بغرض الإستحمام".يختلف الوضع في المنطقة الساحلية. ففي صيدا غير البعيدة عن الإقليم ما زال الطقس مقبولاً. وقد عاينت "المدن" مركز "مدرسة دار اليتيم العربي"، حيث كانت الشمس تسطع، بعد ليل ماطر.هنا ينشغل النازحون في تدبر أمورهم الشخصية. استغلوا دفء الطقس، فجلس العديد منهم على الكراسي، بينما إتخذ آخرون أرائك حجرية للجلوس عليها، وهم يحتسون القهوة ويدخنون السجائر، علها تخفف من ألم النزوح وتداعياته، الناجمة عن الإكتظاظ وبدء تلمس الصقيع التشريني.مناشدة المعنيين للتحرك سريعاًدفء الطقس دفع أحد الشبان إلى قص شعر قريبه في العراء. وعلى بعد أمتار منه إفترش شابان حصيراً، مددت عليه فرشتان من الإسفنج، يظللهما شادر، تم ربطه بأعلى سيارة الرابيد وشجرة موازية له، يبيتان فيه لتخفيف الضغط عن النازحين في الداخل. وذلك تعبيراً عن عدم حلول البرد في هذا المركز الذي تستقبل قاعته 250 نازحاً، من بلدات صور وبنت جبيل والنبطية.يلف الغضب والحزن، يوسف أبو ساري، الذي محى العدو الإسرائيلي كل بيوت بلدته الضهيرة ومنازلها ومساجدها ومدارسها. ويقول: "نشتاق ونتلهف للرجوع إلى بلدتنا وأرضنا، وأن ننصب خيماً وننام فيها، بدل ذل النزوح. ما زلنا متعايشين مع الطقس، كون المنطقة قريبة من سطح البحر، فالبرد مقبول. لكننا نخشى من الأيام والأسابيع المقبلة، التي يحل فيها المطر والصقيع، وذلك في ظل عدم توفر التدفئة إلى الآن، وعدم وجود أغطية كافية، خصوصاً الحرامات، التي يمكن أن تعوض عن وسائل التدفئة".هنا ينام النازحون على فرش إسفنجية، لا يفصلها عن البلاط اي نوع من أنواع السجاد لمنع البرد من التسلل إلى أجسادم. وتؤكد فاطمة البابا، المشرفة على هذا المركز من جمعية "أعمالنا" أن "المركز غير مزود بالتدفئة. لكن مؤخراً تم توزيع كسوة شتوية لكل النازحين وحرامات، وهي غير كافية، على أبواب فصل الشتاء. لذلك تناشد الجميع للإلتفات إلى هذه القضية الملحة". تشرف فاطمة على ثلاثة مراكز إيواء في مدينة صيدا، وهي: مدرسة دار اليتيم العربي، قصر عدل صيدا القديم، المعروف بمكتبة مصطفى معروف سعد، وحسينية البوابة الفوقا. ودار اليتيم واحد من أصل 28 مركز إيواء في مدينة صيدا، تضم حوالي 10 آلاف نازح. تقدم الجمعية فريق عمل متخصص من الممرضين والأخصائين بعلم النفس، ويوجد في المركز حالات من ذوي الإحتياجات الخاصة المتنوعة. وقد تم تجهيز غرفة مزودة بالإنترنت، مخصصة لمتابعة التعليم عن بعد للطلاب. لكن بما يتعلق بالتدفئة فالأمر بحاجة لتحرك سريع من الجهات الرسمية، لتجنب حلول البرد على النازحين.