ساعات تفصل العالم عن معرفة مَن ستكون أو سيكون سيدة أو سيد البيت الأبيض. إنتخابات رئاسية أميركية يمكن أن توصف بـ”التاريخية”، بالقراءة المستقبلية لنتائجها ليس فقط على الداخل الأميركي والنظرة الى الولايات المتحدة الأميركية، لا بل على العالم بأسره.
منافسة حادة بين المرشحَين، الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، بحيث 7 ولايات متأرجحة كانت كفيلة بترجيح كفة مرشح على آخر. ومن أبرزها ولاية بنسلفانيا التي تعد ولاية محورية، وهي الولاية الملقبة بـ”حجر الزاوية”، وخيضت فيها “أم المعارك”. هذا بالإضافة الى الصوت العربي والمسلم الذي كان وازناً وحاسماً في بعض الولايات.
هذه الانتخابات بلا أدنى شك مفصلية، إنطلاقاً من تحديد أولويات السياسة الخارجية الأميركية ومصالحها وإرتباطها بخيوط التجاذب الدولي، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط إلى الصين، ما يحتّم التمعّن بتوجهات وخلفيات كلا المرشحين، على الرغم من أن لديهما ثوابت وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، ألا وهي المصالح السياسية والاقتصادية الأميركية وأمن العدو الإسرائيلي.
إلى ذلك، إستثمر العدو الإسرائيلي مرحلة الإنتخابات الأميركية لشراء الوقت ومتابعة عدوانه الغاشم على لبنان رافضاً وقف إطلاق النار إلا بشروطه، وفي الوقت عينه مبارزة إيران على أرض لبنان، وكذلك إستكماله لمشروعه الهادف إلى إعادة تشكيل المنطقة.
وفي سياق متصل، أعرب الرئيس وليد جنبلاط في مقابلة مع جريدة “النهار” عن عدم قناعته بأن أي إدارة أميركية جديدة ستوقف الحرب، ويرى أن الموفد الأميركي الخاص آموس هوكشتاين “خدع اللبنانيين”، “فلتتفضل أميركا وتردع نتنياهو وتُملِ عليه وقف النار، ثم نرى بقية التفاصيل والـ1701 والطائف”، على حد تعبيره.
وأشار جنبلاط إلى أن العدو الإسرائيلي سرّب صيغة جديدة مرافقة لـ1701، من بنودها أنه من المنظور الإسرائيلي – الأميركي يحق القيام بدوريات وطيران وضرب كل ما يريدون، وهذا ما يذكرنا إلى حد ما باتفاق 17 أيار، أي نوع من الوصاية الأمنية على لبنان من إسرائيل، وهو ما رفضناه آنذاك، وكانت موازين القوى مختلفة، وإن شاء الله “تنذكر وما تنعاد”.
ومن جانب آخر، لا يؤيد جنبلاط ربط إنتخاب رئيس جمهورية بوقف النار، معتبراً أن ذلك “ليس له معنى”، مؤكداً “لا نريد رئيساً للتحدي ولا نقبل بعدم إمتلاكه حيثية مسيحية، وهذا ما يريده الرئيس نبيه بري”.
وبالتزامن مع الإنتخابات الأميركية، الداخل الإسرائيلي يشهد توترات، إذ إحتج عشرات الآلاف في مناطق مختلفة في كيان العدو على إقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وتعيين يسرائيل كاتس خلفاً له، وجدعون ساعر وزيراً للخارجية.
لا شك أن الأيام القادمة ستظّهر أكثر معالم مرحلة العهد الأميركي المقبل، بمن يقود الولايات المتحدة الأميركية، وتتوّضح أكثر المقاربات القادمة لملفات ذات صلة أو تخضع لتأثيرات السياسات الأميركية. وحول ملفات الشرق الأوسط، يرى الصحافي والكاتب السياسي علي حمادة أن “الفوارق بين ترامب وهاريس ليست كبيرة كما يتصوّر البعض”، موضحاً في حديث إلى جريدة “الأنباء” الإلكترونية أن “الرئيس ترامب يتميّز بعلاقاته الجيدة مع الدول العربية ولاسيما الدول الخليجية، في حين أن إدارة الرئيس جو بايدن وقبله إدارة الرئيس باراك أوباما، لم تحسن إدارة علاقاتها العربية”.
ويذكّر حمادة بأن علاقات بايدن بدأت سيئة مع الدول العربية لكنها عادت وتحسنت فيما بعد في ضوء ما حصل في أوكرانيا وحاجة الولايات المتحدة إلى تجميع كل حلفائها في العالم لمواجهة الهجوم الروسي والهجوم الإقتصادي والسياسي للصين ولمجموعة دول البريكس”.
أما فيما يتعلق بقضايا أساسية تهم لبنان، فلا يتوقع حمادة إنتهاء العمليات العسكرية أقله في الأشهر القليلة المقبلة قبل أن يتسلّم ترامب إذا كان هو الفائز وقبل أن تكمل هاريس مسار العهد الديمقراطي، سوف يستمر الحال على ما هو عليه لثلاثة أشهر مقبلة بأقل تعديل.
وينطلق حمادة من أن “هناك تقاطعاً في المصالح الأميركية الإسرائيلية فيما يتعلق بلبنان حول مصير حزب الله”، و”بمجرد أن جرى توجيه ضربات قاتلة للقيادة وللبنية العسكرية للحزب تقاطعت أوتوماتيكياً المصالح بينهما، من أجل إنهاء هذه المهمة أو محاولة إنهائها”، على حد تعبيره.
ووفق حمادة، “الطرفان لديهما مصلحة في إستكمال الحرب إلى حد إنهاء الذراع العسكرية لحزب الله”، إذ يلفت إلى أن “لا أحد يتحدث عن حزب الله كحزب سياسي أو حزب إيديولوجي أو ديني أو إجتماعي داخل التركيبة اللبنانية، لأنه سوف يبقى فيها، إنما الموضوع أصبح السلاح”.
ومن جانب آخر، يشير إلى أنه “إذا تمسك حزب الله بالسلاح سوف تستمر الحرب، وإذا تمسكت إيران بهذا السلاح في لبنان سوف تستمر الحرب ويزداد التدمير والقتل وتدمير بنية حزب الله ليس فقط العسكرية، إنما العسكرية الاجتماعية اللوجستية الاقتصادية والبيئة الحاضنة لهذا لحزب”.
ويرى حمادة أن كلاً من هاريس أو ترامب سوف يكملان المهمة، لأنهما يعتبران بأن هناك فرصة ذهبية لن يفرطا بها وهي الإنتهاء مما يعتبرونه ذراع إيرانية في لبنان، عسكرية وأمنية”.
وعن الحرب في غزة، فـ”أصبحت شبه منتهية” على حد تعبيره. ويشير إلى أن الآن البحث جارٍ عن اليوم التالي، وما يؤخر إنهاء الحرب هو الاتفاق عليه، وأيضاً تبادل الأسرى والرهائن والترتيبات الأمنية والسياسية لما بعد حماس في غزة، إذ لن يكون حكماً لحماس كما كان، وهذا الأمر متفق عليه وسوف يسير عليه هاريس وترامب.
وفي السياق، إن مسار النظام الإنتخابي والعملية الإنتخابية في الولايات المتحدة لها هيكليتها وخصوصيتها، يوضح الأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين أن الإنتخاب الرئاسي في الولايات المتحدة الأميركية هو شبه مباشر من قبل الشعب، الذي ينتخب الناخبين الكبار وهم مَن ينتخبون الرئيس، ومجرّد ما تُعرف هوية الناخبين الكبار، تُعرف نتائج الإنتخابات، وفي الإجمال يلتزم الناخب الكبير بما سبق وأعلن عنه مسبقاً.
ويشرح يمين في حديث الى جريدة “الأنباء” الإلكترونية أنه فيما بعد يجتمع الناخبون الكبار إجتماعاً شكلياً، ويصوّتون وتُعرف حينها هوية الرئيس، يتسلّم الرئيس الجديد مهامه في شهر كانون الثاني. وفي الأشهر الثلاثة القادمة، يوضح يمين أن “الرئيس المنتهية ولايته يستمر بمنصبه، ويمارس كامل صلاحياته الدستورية لحين تسلم الرئيس الجديد مهامه الدستورية، بنظام رئاسي ويتولى رئيس السلطة الإجرائية ويكون الوزراء معاونون ولا يخضع لمحاسبة الكونغرس، إنما يستمد سلطته وشرعيته من الشعب مباشرة”.
ولا يتوقع يمين أن يحدث بايدن في نهاية ولايته الشيء الكثير ولن يغيّر بالمسار الذي يتبعه، بحيث يكون لدى الرئيس الجديد قدرة أكبر على المبادرة، إنطلاقاً من أن المعنيين أكان دول أو حكومات يفضلون التفاهم مع رئيس صاعد، على التفاهم مع رئيس منتهية ولايته”.
هاريس أو ترامب وجهان لعملة سياسية واحدة وتحديداً في قضايا الشرق الأوسط ولو إختلف “التكتيك” السياسي. والمستقبل القريب كفيل بأن يحدد مصير أي تسوية أو متغيرات في المنطقة، على أمل ألا يدفع لبنان مجدداً ثمن “لعبة الأمم” أو محاولات تغيير أنظمة أو تنفيذ مشاريع توسعية وإقتصادية كبرى.