قد تكون بعض مراكز الإيواء في العاصمة بيروت بمثابة فنادق خمس نجوم، رغم بؤس النزوح ومعاناة النازحين فيها، مقارنة مع الوضع المزري الذي يعاني منه مركز العازرية. في الجولة التي قامت بها "المدن" على بعض المراكز التي تمكنت من أخذ الأذونات اللازمة لزيارتها، تبين أن في مبنى العازرية حوالي 3000 نازح يعيشون وسط ضغوط إنسانية صعبة، ومعاناة في تأمين الاحتياجات. فهنا بعض الغرف المفتوحة على بعضها، ويستخدم النازحون الشراشف كبدائل عن الأبواب الفاصلة، والحصائر للجلوس على الأرض، ولحماية أنفسهم من البرد التي بدأت نسماته الباردة تلفح أجسادهم مع حلول فصل الشتاء.
قاعات كبيرة وجو قاسي كان معهد بئر حسن، من أوائل المراكز التي استقبلت حوالي 1800 نازح من مختلف المناطق اللبنانية. مركز واسع ومجهز بالمياه والكهرباء وبعض المعدات الأساسية مثل الغسالات وأدوات الطبخ، وجميع الغرف محصنة بأبواب ونوافذ. إلا أن المركز يفتقر بشدة إلى وسائل التدفئة، التي تقتصر حالياً على البطانيات. وشملت الجولة كلية الإعلام، الفرع الأول في بيروت، التي تحولت إلى ملجأ يضم حوالي 400 نازح من مختلف المناطق، منهم من فرّ من الضاحية الجنوبية وآخرون من الجنوب. وهنا القاعات الواسعة توحي بأجواء قاسية، لا سيما وأن الكلية خالية من وسائل التدفئة. لجأ البعض إلى افتراش لحفٍ رقيقة، في محاولة للاحتماء من برودة الأرض. كما لاحظنا أطفالاً لا يزالون يرتدون ملابس صيفية، على الرغم من بدء موسم الشتاء الذي أطلق إشاراته الأولى، معلناً عن اقتراب معاناة جديدة. ويوضح علي بنجك، الطالب في الجامعة والمتطوع لمساعدة النازحين، حقيقة الوضع بالقول: "كان الكثير من الأشخاص لا يزالون في الملاعب، مما اضطرنا إلى وضع عائلتين في غرفة واحدة لحمايتهم من البرد". البطانيات لا تكفي الجميع وتختلف الاستعدادات لفصل الشتاء بين مركز إيواء وآخر في لبنان، بينما تظل المساعدات المتوفرة أقل بكثير من حجم الاحتياجات. في هذا السياق، يقول حسن ملك، النازح من إحدى القرى الجنوبية إلى مبنى العازرية: "ظننا أننا سنقوم بزيارة سريعة ونعود إلى منازلنا، جلبنا بعض الأغراض الضروروية فقط، ولسنا مجهزين لمواجهة الشتاء القارس". ويضيف: "حصلنا على بعض المساعدات والمستلزمات الشتوية، وحاولنا إعطاء الأولوية لمن لا يملك أي تجهيزات، فأولئك هم الأكثر حاجة في هذه الظروف الصعبة". أما يوسف النازح المقيم في معهد بئر حسن فيلفت إلى أن "عدد البطانيات لم يكن كافياً لتلبية احتياجات الجميع". وناشد قائلاً: "طلبنا مساعدات من الدولة والجمعيات، لكننا لم نحصل على الدعم المطلوب بعد. هنا تحاول العائلات تدبر أمورها بما يتوفر، خاصة كبار السن والأطفال، وهم الأكثر عرضة للبرد، خصوصاً في الأشهر المقبلة". في مركز كلية الإعلام لم يحصل الجميع على الأغطية. وتقول عبير بريطح، النازحة من منطقة الليلكي: "الدعم محدود والمساعدات غير كافية. البعض حصل على بطانيات، وآخرون، مثلي وابنتي، لم نتمكن من الحصول على أينوع من أنواع المساعدة". وتصف الواقع الحالي بحسرة: "اللي بيطلع من بيته بيتبهدل. أعاني من البرد ليلاً، فألف الإيشارب حول بطني للتدفئة، لكن ذلك لم يجدِ نفعاً. أصبت بمرض منذ يومين وأتلقى علاجاً بالإبر للعلاج من الإسهال". العودة إلى الضاحية للاستحمام معاناة النازحين في قلة توفر الأغطية للجميع تعبر عنه نادين، النازحة من بلدة أبريخا جنوباً: "أنا وأمي حصلنا على بطانية واحدة فقط، فأعطيتها لأمي، بينما أتغطى أنا بمشلح أحضرته معي. فلم نجلب معنا سوى بضع قطع شتوية". لذا تتمنى بأن لا تطول الحرب كي تعود إلى بلدتها. وحول توفر المياه الساخنة، تعبّر عليا النازحة من الضاحية الجنوبية، التي فضّلت عدم ذكر اسم عائلتها، عن معاناتها قائلة: "أضطر للذهاب مع أطفالي إلى منزلنا في الضاحية لنتمكن من الاستحمام وتجفيف شعرهم، ثم ألبسهم في غرفة دافئة قبل العودة إلى المركز، خوفاً من أن يتعرضوا للمرض بسبب البرد". ولا يقتصر الأمر على الاستحمام، بل يتوجه العديد من النازحين يومياً إلى الضاحية الجنوبية لجلب بعض المستلزمات. من هؤلاء، هدى، من بلدة جويا لكنها مقيمة في الغبيري: "في الصباح الباكر أذهب إلى بيتي، أحمل بعض الأغراض كالبطانيات. ومؤخراً احضرت الملابس والمستلزمات الشتوية، لأنه ينقصنا الكثير منها هنا". الصغار مثلهم كمثل الكبار يعانون من البرد في مراكز النزوح. وتقول فاطمة، البالغة من العمر خمس سنوات، "أشعر بالبرد الشديد ليلاً، وعندما أرتجف، أبقى تحت الحرام لأحاول التدفئة". أما هدى، والدة فاطمة النازحة من حي السلم، فمشاعر القلق لا تفارقها. يظهر ذلك من قولها: "تمكنت من الحصول على بعض البطانيات وملابس لأولادي، لكنهم أطفال، ومرضوا لأننا ببساطة نعيش في مكان غير مؤهل للحياة ولا لفصل الشتاء". يأمل الكثيرون أن يحل الشتاء وقد عادوا إلى بيوتهم، لتجنب المعاناة التي يعيشونها في مراكز الإيواء. وهنا تقول هناء محي الدين، النازحة من كفررمان: "لم أكن مهيأة لهذه الظروف، نزحنا ونحن نحمل بضع قطع من أغراضنا فقط، فلم نعتقد أن الحرب ستطول إلى هذا الحد، وها نحن على أبواب الشتاء". لكنها تضيف بتفاؤل: "إن شاء الله قبل الشتاء القاسي نكون ببيوتنا". ولا يفوتها التأكيد: "لو بقينا هنا 100 سنة، ما رح نطلع إلا منتصرين، بإذن الله".