ظاهرة نزوح أهل الجنوب تجسّد اليوم جزءًا مأساويًا من المشهد الإنساني في ربوع لبنان.
كثير من الأشخاص اضطروا لترك منازلهم وأراضيهم بسبب الحرب. ومن بينهم، نجد قصصًا تعكس الأمل، وأحد هذه الأشخاص هو “العم خضر” الذي يحمل في قلبه القليل من الألم والكثير من الأمل في آنٍ معاً.
فعلى الرغم من الأوضاع الصعبة التي يواجهها “أبو أحمد”، إلا أن ذكريات بلدته وبيته الذي أصبح رُكام لا تفارق أبدا عقله، هو يتذكر الأوقات الجميلة مع عائلته، كل هذه الذكريات لا تجلب له الألم فقط؛ بل تمنحه أيضًا الأمل للعودة يومًا ما.
إن لحظات الضيافة في زغرتا ومحبة الآخرين له أصبحت كنجوم مضيئة في سماء حياته، على ما يقول حيث عكست له مبادئ الإنسانية التي لا تزال موجودة في المجتمع الزّغرتاوي. وبفضل هذه العلاقات الإنسانية، ارتبط “أبو أحمد” بأناس يسيرون معه في درب التحديات، وأصبح لديهم ذكريات مشتركة تفوق حدود الأماكن والزمان.
يؤكد ” العم أبو أحمد” أنه لن يأخذ معه من زغرتا اي شيء مادي ولكنه سيأخذ معه كل الحب والكرم والأخلاق والألفة الذي تلقاها من كل زغرتاوي عاينه وإلتقى به، ويعود هذا القرار الذي اتخذه إلى اعتقاده بأن القيم الإنسانية والذكريات الجميلة هي أكثر أهمية من أي شيء مادي. هو يحمل في قلبه شعورًا عميقًا بالامتنان، ويعلم أن تلك اللحظات ستظل حية في ذاكرته وأن القيمة الحقيقية تكمن في الروابط الإنسانية مهما ابتعدت المسافات أو تغيرت الظروف.
لقد فقد “أبو أحمد” زوجته قبل نزوحه بأشهر قليلة، واعتصر الحزن قلبه، محملاً بأثقال الذكريات. فعلى الرغم من كل الظروف القاسية التي يعيشها، إلا أن روح الزوجة “منى” تتجلى في كل لحظة من حياته، ترعاه من فوق! تُعينه وتمنحه القوة. يتذكر ابتسامتها وصوت ضحكاتها ويتحدث إليها كما لو كانت أمامه راوياً لها تفاصيل يومه وكيف أحبّه أهل زغرتا واحبهم، فبدل أن تكون مصدرًا للحزن، تحولت “الحجة منى” إلى منارة تضيء له طريقه وطريق أولادها “أحمد وسما” في الظلمة على ما يشرح لموقع المرده.
“سما” ابنة “ابو احمد” استجمعت شجاعتها في مجالسها تروي عن منزلهم الذي سُوّي أرضاً، الذي كان يومًا ما محلاً للذكريات الجميلة. أسَرتها المشاعر المتناقضة، واقفة أمام ما تبقى من تلك الجدران في مخيلتها ومصممة على البحث عن شيء يدلّ على ذكريات ماضيها، ربما شيء يربطها بتلك الأيام الجميلة مع عائلتها، لقد تخيلت أنها ستجد صورة عائلية تتجلى فيها ضحكاتها، وهمست لنفسها بأن تلك الصورة ستبقى معها ولا يمكن لأحد أن يأخذها منها، حتى وإن دمرت الجدران، إلا أنها لحظات وتستيقظ من عالم خيالها، فتتنهّد “سما” وتشتعل بالحسرة وتعود إلى واقع صعب في بناء ما تهدم، سواء كان بيتاً أو حياة، بانتظار تلك الشرارة الضئيلة من الأمل.
“أحمد” الابن يحتفل بعيد ميلاده بطريقة مختلفة هذه السنة، ليس كسابقاتها، بعيداً عن التجمعات الصاخبة التي اعتاد عليها في بيته، فيجد نفسه وسط دوامة من التحديات والألم، وبات يفكر في الأشخاص الذي خسرهم والمكان الذي تركه خلفه، يتأمل في مسار حياته وكيف أن الفرح والحزن يتداخلان في قلب واحد. لكنه، مع كل ذلك، لا تزال هناك شعلة أمل في داخله أنارها بشموع ملوّنة موضوعة على قالب “كايك” فاجأته به عائلته، جعلت من عيد ميلاده مناسبة لتجديد الأمل، وأن المحبة يمكن أن تمحي آثار الفقد وتعطي معنى جديداً لكل لحظة.