أثناء إعداد هذا التقرير عن المستشفيات في الجنوب، قطعت مديرة مستشفى النجدة الشعبية في النبطية منى أبو زيد المكالمة اضطراريا بعد دوي غارات عنيفة على النبطية. أرادت أن تتبين ما حصل، فقد كان الصوت مرعباً واهتزت المستشفى، وسحب الدخان غطت الرؤية.كل يوم يعيش الكادر الطبي في هذا المستشفى على وقع هذه الغارات القريبة منه، التي تستهدف النبطية وكفرمان وحبوش. تحدث هلعاً وأضراراً، تمثلت بتكسير الزجاج وسقوط أسقف مستعارة وغيرها. وما يصيب هذا المستشفى، يعيشه مستشفى النبطية الحكومي الجامعي، ومستشفى تبنين الحكومي، في منطقة بنت جبيل، ومستشفى الشهيد الشيخ راغب حرب، في محلة تول- الكفور، ومستشفى جبل عامل في صور وسواها من مشافي المنطقة. فالمستشفيات والأطقم الإسعافية جنوباً باتت كغيرها من الأماكن والمباني في عين عاصفة العدوان الإسرائيلي، الذي سبق له أن قصف مستشفى الشهيد صلاح غندور في بنت جبيل. والحق أضراراً في مستشفى ميس الجبل. وبات المستشفيان إلى جانب مستشفيي بنت جبيل الحكومي ومرجعيون، خارج الخدمة.وتمكنت "المدن" من التواصل مع بعض إدرات المستشفيات في الجنوب وحالت ظروف الحرب وانقطاع الاتصالات من التواصل مع مستشفيات أخرى. وتمثل هذه المستشفيات عينة عن الأوضاع الصعبة والظروف الضاغطة التي تعاني منه كل المستشفيات في المنطقة. مستشفى النبطية الحكوميتعمل مستشفى النبطية الحكومي، بكامل قدرتها، لناحية القيام بتلبية علاج الجرحى والمصابين الوافدين إليها من النبطية وجوارها، بعدما فرغ المستشفى بشكل كبير من الحالات المرضية والاستشفائية العادية. ويؤكد مدير المستشفى الدكتور حسن وزني، أن هذا المستشفى الذي يقع على تل في منطقة كفرجوز، يتأثر بكل الغارات القوية والعنيفة، التي تحصل في محيطه. فهي كأنها تحصل في المستشفى، حيث تغطيه سحب الدخان الأرجاء، فيما يؤدي حجم وضخامة الانفجارات إلى تكسير وتهشيم كثير من زجاج النوافذ والأبواب وسقوط أسقف مستعارة.ويقول وزني لـ"المدن": نحن في قلب الحدث الأمني، لا ننفصل عن محيطنا، لذلك كنا وضعنا خطة عمل وطوارئ، لجهة تأمين متطلبات واحتياجات المستشفى كافة، من لوازم طبية وإسعافية وأدوية. ويضيف أن المستشفى مجهز بـ 170 سريراً، والتركيز الحالي هو على علاج المصابين والجرحى، بعدما خلت المستشفى من مرضى غسل الكلى وعلاج السرطان، الذين نزحوا بدورهم عن المنطقة.وحول الصعوبات والمعاناة يشير وزني إلى أن إحدى المشاكل هي الانقطاع الشامل لكهرباء الدولة، بعد قصف جيش الاحتلال، خط الخدمات، في منطقة وادي الكفور. ولم تتمكن فرق الصيانة من إصلاحه نتيجة الوضع الأمني. والبديل هو استخدام مولدات كهربائية، تعمل على مدار الساعة يومياً. فقد تلقى المستشفى مساعدة عينية من مادة المازوت، من الصليب الاحمر الدولي، تبلغ عشرة آلاف ليتر. لكنها شارفت على الانتهاء، ما يعني أن المستشفى سيضطر إلى شراء هذه المادة، رغم الإمكانات القليلة جداً. إلى ذلك تلقى المستشفى مساعدات عينية، عبارة عن أدوية ومواد غذائية، من وزارة الصحة واطباء بلا حدود، ومن المملكة العربية السعودية.وفيما يخص الطاقم الطبي والتمريضي العامل في هذه الظروف الاستثنائية، يشرح وزني، أن المستشفى يضم 150 طبيباً و350 ممرضاً وموظفاً. ويحتوي المستشفى على قسم مميز للحروق استقبل أكثر من 1000 جريح، منذ بدء العدوان الاسرائيلي. ولكن حالياً نتيجة اقتصار عمل المستشفى على علاج جرحى الحرب، فإنه يوجد 18 طبيباً من الاختصاصات الرئيسية (جراحة عامة، عظم، تخدير، عناية، وطوارئ) إلى جانب فريق كبير من الممرضات والممرضين. ويلفت إلى أن عائلات بعض الأطباء التحقت بهم في المستشفى، وكذلك الأمر بالنسبة للممرضين، نتيجة الوضع على الطرقات.مستشفى النجدة الشعبيةاستشعرت مستشفى النجدة الشعبية اللبنانية في النبطية الحرب على لبنان، بعد طوفان الاقصى وبدء العدوان الإسرائيلي على غزة. وبحسب مديرة المستشفى منى أبو زيد انطلقت الاستعدادات للمواجهة، من خلال وضع خطة، تشمل تجهيز الاحتياجات لشهر ونصف بأقصى الأحوال، بحسب الإمكانيات المتوفرة. وكانت تجري بالتزامن اتصالات مع وزارة الصحة اللبنانية ومنظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي، الذي كان أعد خطة عمل طوارئ.وبخصوص احتياجات المستشفى أو وجود نقص بالإمدادات تشير أبو زيد إلى وجود مشكلة، ليست محصورة بمستشفى النجدة الشعبية، بل في منطقة النبطية، وتتمثل بالحاجة إلى أختصاصيين في جراحة الأعصاب والشرايين والعظام والعناية الفائقة. ووجهت نداء إلى العاملين في هذه الاختصاصات، للالتحاق بمستشفى النجدة، إذا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. ولوجستياً تؤكد أبو زيد وجود نقص في المحروقات. فالمستشفى يحتاج كل يوم إلى 1000 ليتر من المازوت، بعد عملية الترشيد المعتمدة للحرب. والمستشفى غير قادر على تحمل تكاليفها المادية، خصوصاً أنه يعاني من تراجع المداخيل منذ 17 الجاري، إذ بات المستشفى مخصص لجرحى الحرب، وقد استقبل منذ 23 أيلول 545 جريحا وعشرات جثامين الشهداء.مستشفى جبل عاملطوقت الغارات الإسرائيلية، محيط مستشفى جبل عامل، القائمة في محلة جل البحر- العباسية، عند مدخل صور. ويقول مدير المستشفى الدكتور وليد مروة، إن فريق العمل، من أطباء وممرضين، بقي في المستشفى يلبي كل الاحتياجات اللازمة، المتعلقة بإجراء العمليات الجراحية، من كافة الاختصاصات، من بينها الأعصاب والعظم والجراحة العامة. وقد استقبل المستشفى أكثر من 1200 جريح ومصاب إلى الآن.وشكا من استنزاف فعلي لإمكانياتهم في مواجهة هذا الاستحقاق الكبير، هذا فضلاً عن ضغوط نفسية على العاملين، ومشاكل لوجستية بسبب أحوال الطرقات، التي هي السبيل الوحيد لتأمين الاحتياجات سواء من صيدا او بيروت. وهذا ما يؤدي إلى نقص كبير في الاحتياط من المواد.ولفت إلى تلقي المستشفى مساعدات عينية من وزارة الصحة اللبنانية وأطباء بلا حدود. والمستشفى مزود بنظام طاقة شمسية، لكنه لا يلبي الاحتياجات كاملة للتيار الكهربائي، موضحاً أن هناك حاجة ملحة ودائمة لتأمين مادة المازوت، وهي باهظة الثمن.