أرقام وحقائق... "خسائر إسرائيل في لبنان تثبت أن هذه الحرب لا يمكن كسبها"
2024-11-01 22:25:44
شدد الكاتب البريطاني ديفيد هيرست على أن خسائر الجيش الإسرائيلي المتصاعدة في عدوانه المتواصل على لبنان وقطاع غزة تثبت أن إسرائيل غير قادرة على كسب هذه الحرب.ولفت هيرست، رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، في مقال، إلى أن هناك فائضًا من إيهام الذات لدى كل من دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة بشأن اعتقادهما بأن حركة حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان "تم كسرهما"، موضحًا أن "الأمر قد يستغرق شهورًا عديدة أخرى من الحرب لإدراك أنه ما من عودة إلى السادس من تشرين الاول".هناك سبب بسيط للاهتمام المتجدد في خطط وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان، والذبح الليلي للاجئين الفلسطينيين الذي يصاحب كل دفع باتجاه السلام. لا علاقة للأمر بحملة الاغتيالات التي شنتها إسرائيل على قادة حماس وحزب الله ولا لمحاولتها الأخيرة الحد من إنتاج وقود الصواريخ الصلب في إيران.ثمة فائض من إيهام الذات والخداع يحيط بالانطباع الحالي في إسرائيل وواشنطن بأن كل واحدة من المجموعتين المقاومتين قد "انهرست وكسرت" وأن أجنحة إيران قد تم قصقصتها. والسبب يحدق بأعين القيادة العليا للجيش الإسرائيلي: كان تشرين الأول أكثر الشهور دموية بالنسبة لقواتها منذ كانون الأول من العام الماضي. فلم تفتأ هذه القوات تتكبد الخسائر في شمال غزة وفي جنوب لبنان على حد سواء.طبقاً لآخر الإحصاءات، وهذه الأرقام تتغير يوماً بعد يوم، قتل في ميدان المعركة خلال شهر واحد اثنان وستون جندياً، كما قتل في قصف صاروخي وهجمات داخل إسرائيل خمسة عشر مدنياً وشرطيان. وحتى هذا التاريخ، تتعامل إدارة إعادة التأهيل التابعة للجيش الإسرائيلي مع أكثر من اثني عشر ألف جندي مصاب، وهو رقم يتزايد بمعدل ألف في كل شهر. كثيرون يعتقدون أن هذا الرقم أقل بكثير من الرقم الحقيقي للإصابات التي يتم علاجها في المستشفيات.ومن بين هؤلاء الشخصية المعارضة يائير لابيد، الذي قال في لقاء مع القناة الثانية عشر: "هناك حدود لما يمكننا القبول به من حجم الحقائق البديلة". طبقاً لتصريح أخير صادر عن حزب الله، تمكنت حركة المقاومة اللبنانية منذ الأول من تشرين الأول من قتل تسعين جندياً وضابطاً إسرائيلياً وجرح سبعمائة وخمسين وتدمير ثمان وثلاثين دبابة ميركافا.أقل ما يقال في هذا الأمر هو أن حملة الجيش الإسرائيلي لإخلاء شمال غزة وجنوب لبنان من المقاتلين والمدنيين تواجه مقاومة شرسة، وينجم عنها، بعد مرور عام على الحرب، بعض من أشد صولات القتال في الحرب.ولقد تم بقوة استبعاد أي فكرة تفيد بأن حماس وحزب الله فقدا القدرة على القتال منذ اغتيال قادتهما السياسيين والعسكريين. في شمال غزة، لم يتسن إخلاء مخيم جباليا للاجئين من مقاتلي حماس، ولم ينجح تجويع سكان جباليا وبيت حانون في حملهم على الاستسلام أو إجبارهم على التحرك باتجاه الجنوب بحسب ما تقضي به "خطة الجنرالات".وبحسب أرقام الجيش نفسه، ما بين اثني عشر وتسعة وعشرين شخصاً عبروا من خلال محور نتساريم على مدى ثلاثة أيام في الأسبوع الماضي. وتبين أن حركة السكان في شمال غزة تتم باتجاه الغرب نحو مدينة غزة في الشمال، وليس من الشمال إلى الجنوب، كما كان يتمنى الجيش الإسرائيلي.وطبقاً لأحدث التقديرات الصادرة عن الأمم المتحدة وشركائها، منذ أن بدأت إسرائيل هجومها الأخير في الخامس من تشرين الأول، نزح ما يزيد عن واحد وسبعين ألف إنسان من محافظة شمال غزة إلى مدينة غزة، بينما بقي ما يقرب من مائة ألف إنسان في شمال غزة.وما يواجهه الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان أسوأ من ذلك بكثير. فبعد ثلاثة أسابيع من غزوهم، لم يتمكنوا حتى الآن من السيطرة على الأرض لأكثر من كيلومترين اثنين من الحدود، ولم يكن أمامهم إلا القيام بانسحابات متكررة كلما ارتفع عدد الإصابات.وهذا أبعد ما يكون عن الهدف المعلن، والذي يتمثل في دفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني. بدلاً من ذلك، ينسحب المقاتلون، ويجرون القوات الإسرائيلية نحو مصيدة، ويدخلون الأنفاق ثم يهاجمونها من الخلف.في تصريح لموقع ميدل إيست آي قال مصدر مقرب من حزب الله أن اغتيال القيادات الكبرى في الحزب لم يكن له تأثير يذكر على قدرته القتالية العملياتية. وذكر أن الوحدات تحتفظ بالقدرة على التواصل وعلى التنسيق العملياتي بشكل مستقل، بدون الحاجة إلى أوامر مباشرة من القيادة المركزية.على الرغم من أن الجانبين في هذا الصراع يضخمان من مكاسبهما ويهمشان من خسائرهما، إلا أنني أصدق ذلك. إضافة إلى الإصابات العسكرية، قتل خمسة عشر مدنياً وشرطيان اثنان في إسرائيل هذا الشهر. لا يظهر حزب الله ولا الحوثيون ما يشير إلى أنهم يحال بينهم وبين إجبار مئات الآلاف من الإسرائيليين بما يطلقونه من صواريخ على الدخول إلى ملاجئهم، بل إن حزب الله هو أيضاً يقوم بإصدار أوامر إخلاء خاصة به.ونقلت منصة إعلامية مقربة من دوائر حزب الله، عن أحد مصادرها القول بأن "إسرائيل ليست في موقع من القوة يسمح لها بفرض شروطها طالما استمرت المعركة وطالما أن وضع المقاومة على الأرض جيد جداً". وهو ما يصل بنا إلى النقطة الحقيقية، ألا وهي كيف يظن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه، وبعد مرور عام، في وضع يمكنه من إملاء شروطه على الفلسطينيين وعلى اللبنانيين؟تمخض اجتماع في قطر بين الوسطاء عن مقترح جديد تم نقله إلى حماس. وبما أن جميع المصادر التي تتحدث عن ذلك هي إسرائيلية، فيمكننا أن نفترض بأن العرض الأخير جاء من طرف الإسرائيليين. ينص العرض على أن إسرائيل سوف تتمكن من تحقيق وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثين يوماً وإطلاق سراح عدد غير محدد من السجناء مقابل ما يتراوح بين أحد عشر وأربعة عشر من الرهائن، بما في ذلك النساء والمسنون، في المرحلة الأولى، بينما تستمر المفاوضات على مرحلة ثانية، ولكن لن يكون هناك انسحاب للقوات من محور نيتساريم أو من محور رفح.سوف يتصاحب ذلك مع أو يتعزز بوقف إطلاق نار تقوده الولايات المتحدة في لبنان. وتارة أخرى، المصدر في هذه الحالة أيضاً هو الإعلام الإسرائيلي، وبالتحديد القناة الثانية عشر. تنص "الصفقة" المعروضة على حزب الله على وقف إطلاق نار لستين يوماً يتم خلالها التفاوض على الاتفاق الكامل. ولكن تحتفظ إسرائيل خلال تلك الفترة "بحق الرد على أي انتهاك أو هجوم يشن عليها من أي مكان." ما تفكر به إسرائيل هو أن الاتفاق الكامل يتضمن سحب حزب الله لقواته إلى ما وراء نهر الليطاني، وتولي الجيش اللبناني السيطرة على المنطقة الحدودية.لم يكن لدى حزب الله أي تردد على الإطلاق في رفض هذا "العرض" حتى قبل أن يتقدم به المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين. فقد خمنت وسائل إعلامه بأن إسرائيل إما أنها رفعت سقف شروطها إلى الحد الأقصى بعد أن استعاد حزب الله المبادرة على الأرض أو أنها لا تنوي وقف الحرب وإنما تسرب تفاصيل الخطة التي وضعها هوكشتاين بهدف نسفها.علمت من مصادري الخاصة أنه صدر عن حماس كذلك رد فعل مشابه إزاء العرض الذي وردها منهم. والخلاصة هي أنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار ولا تبادل للسجناء إلى أن تسحب إسرائيل قواتها من غزة، ولن يتوقف حزب الله عن القتال، ناهيك عن أن يفكر بالانسحاب من المنطقة الحدودية، إلى أن تتحقق الهدنة في غزة.يرى كلا الحزبين بأن نتنياهو غير جاد بشأن وقف الحرب. أورد مراسل هآريتز آموس هاريل أنه يوجد إجماع الآن داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على أن الحرب في لبنان وفي غزة قد استنفدت نفسها، وأنها إذا ما استمرت فإنهم لن يتمكنوا من تحقيق أكثر مما تم إنجازه حتى الآن.هم يرون أيضاً بأن البقاء مطولاً في أي من المنطقتين سوف يزيد من مخاطر تكبد خسائر كبيرة في القوات. وخلصوا إلى أنه يجب التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الذين مازالوا محتجزين في غزة.شتان بين هذا الأمر وأي من أهداف الحرب المعلنة من قبل إسرائيل، وهي تدمير حماس كسلطة عسكرية أو سلطة حاكمة، وإقامة مناطق غير مأهولة منزوعة السلاح في شمال غزة وفي جنوب لبنان، ونزوح عدد كبير من الفلسطينيين إلى مصر وإلى الخارج – وهو الأمر الذي كلف نتنياهو مستشاره رون ديرمر بالتخطيط لإنجازه في أقرب وقت ممكن لا يتجاوز شهر ديسمبر الماضي.يقر كبار الجنرالات في الجيش الإسرائيلي بأنه لا مفر في سبيل إنجاز وقف لإطلاق النار من تقديم تنازلات مؤلمة. وعلى الرغم من أنهم أكثر براغماتية من حكومة الحرب التي يقودها نتنياهو، إلا أنهم هم أيضاً يعيشون في حالة من الوهم العارم.
وكالات