ضاعفت الحرب الإسرائيليّة على لبنان أزمة السجون، التي تجاوزت قدرتها الإستيعابية بأضعافٍ بعد تنفيذ خطة أمنية طارئة في الفترة الماضية، وإخلاء جميع المساجين من مراكز احتجازهم في جنوب لبنان والضاحية الجنوبيّة وتوزيعهم على مراكز آمنة، منها مثلاً "سجن رومية وسجن القبة في شمال لبنان".يضاف إلى ذلك، توقف بعض قصور العدل عن متابعة قضايا الموقوفين وملفاتهم بسبب تواجدها في مناطق معرضة للغارات الإسرائيليّة.الملفات العالقةفي النبطية وبعلبك، أخليت قصور العدل من القضاة والموظفين، لصعوبة وصولهم إليها نظرًا للقصف الإسرائيلي العنيف على الجنوب اللبنانيّ خلال الأسابيع الماضية. وتمثلت الأزمة الكبرى في صعوبة نقل ملفات جميع المتقاضين لأماكن أخرى. ولا تزال جميع الملفات والدعاوى عالقة، ولم تُخرج أو تُنقل إلى أي مكان آمن.
معنى هذا الكلام، أن ملفات المواطنين بأكملها لم تُخرج من غُرف وأقسام قصر عدل النبطية وبعلبك، وهي عبارة عن آلاف الملفات والوثائق والدعاوى والمستندات وكل ما يتعلق بقضايا المواطنين أو الموقوفين، الأمر الذي يؤدي حتمًا إلى تأخير متابعة جميع القضايا إلى أجل غير مُسمى، وعدم قدرة القضاة على تحديد جلسات لمحاكمة الموقوفين.تفريغ قصور العدلتشير مصادر قضائية لـ"المدن" إلى أن المدعي العام التمييزي، القاضي جمال الحجار يُحاول إيجاد حلول لمعالجة هذه الأزمة، حيث تم التباحث حول إمكانية تأمين مكاتب في قصر عدل بيروت للقضاة العاملين في قصر عدل النبطية، كي يتمكنوا من متابعة ملفاتهم وجلساتهم. لكن المصادر القضائية لم تنف وجود صعوبة كبيرة في تنفيذ هذه الخطة، بسبب حاجتها الضرورية لتفريغ جميع الملفات الموجودة في قصر عدل النبطية ونقلها لقصر عدل بيروت، إذ لا يمكن لأي قاضٍ متابعة عمله إن كانت الملفات والمستندات والدعاوى في مكانٍ آخر. وقد علمت "المدن" إلى أن هذه الخطة التي يُتداول بها بين القضاة المعنيين، لم تُنفذ بعد، وهي بحاجة لوقت كي يتم تفعيل خطة آمنة لنقل الملفات. وعلقت مصادر قضائية لـ"المدن" عن وجود صعوبة في تفريغ قصر عدل النبطية، إذ يتطلب ذلك توجه كل مساعد قضائي نحو قصر العدل لتفريغ القسم المسؤول عنه، لكونه على علمٍ بمكان وجود كل الملفات والقضايا القديمة أو الجديدة، إضافة إلى الأرشيف الكامل الموجود في كل قسم، ولا يمكن تفريغها بطرق عشوائية خوفًا من فقدانها، وهذا الأمر لا يمكن تطبيقه حاليًا بسبب تعرض المنطقة لقصف عنيف.
في السياق، أكدت مصادر قضائية في وزارة العدل عن متابعة وزير العدل، هنري الخوري لهذه القضية، وأفادت المصادر إلى توجه الوزارة لإعلان إجراءات خاصة بهذا الأمر مطلع الأسبوع المقبل، ويتم التشاور حاليًا مع الجهات المعنية، لتنفيذ خطة محددة تتيح متابعة قضاة جنوب لبنان وبعلبك عملهم في مناطق أكثر أمنًا وذلك بعد تفريغ كل من قصر عدل النبطية وبعلبك، ونقلها لأماكن آمنة. ورجحت المصادر أن يتم نقل الملفات من قصر عدل بعلبك نحو زحلة كي يتمكن القضاة من متابعة جلساتهم.تعاميم استثنائيةوانطلاقًا من الظروف الأمنية التي فاقمت أزمة الاكتظاظ في السجون اللبنانية، قرر المدعي العام التمييزي، القاضي جمال الحجار اعتماد إجراء قضائي استثنائي، يهدف لتسهيل تقديم الطلبات لإخلاء سبيل الموقوفين في السجون. حيث تم تفعيل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، بالتعاون مع الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، طالبًا تسهيل إجراءات تقديم المدعى عليه الموقوف طلب تخلية سبيله وتأمين وصوله إلى المرجع القضائي المختص، حيث يتاح للموقوف التوقيع على طلب تخلية سبيله في السجن مكان توقيفه. كما تتولى الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان استلام الطلبات من السجون وتأمين وصولها إلى المراجع القضائية الواضعة يدها على ملفات الموقوفين تمهيدًا للبت بها وفق الأصول.
وأوضحت مصادر قضائية لـ"المدن" أن هذا التعميم من شأنه الإفراج عن 1400 سجين خلال أيام قليلة. وفقًا للمعلومات فإن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان قد كلفت مجموعة من المحامين لمتابعة ملف السجون وتسريع الإجراءات للبت بإخلاءات السبيل.
وجاء في المادة 108 أنه "لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين يمكن تمديدها مدة مماثلة كحد أقصى في حالة الضرورة القصوى، ولا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل، ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب، وفي حال كان الموقوف محكومًا عليه سابقًا بعقوبة جنائية". استياء وغضبوأثار هذا التعميم استياء مئات السجناء في رومية والقبة، أي أولئك الذين لا تنطبق عليهم نص المادة 108، مطالبين بتفعيل تعاميم مُشابهة لأوضاعهم تهدف لإخلاء سبيلهم، وقد عمموا بيانًا تحت عنوان "إنذار أخير للدولة اللبنانيّة بكل أجهزتها السياسية والقضائية والأمنية، من سُجناء رومية وطرابلس والبقاع". ومما جاء فيه: "نجد من الضرورة إطلاق الإنذار الأخير لجميع المسؤولين بأننا سنقوم بتصعيد كبير وخطير خلال الأيام المقبلة في كل السجون من أجل الوصول إلى حل لمعاناتنا". وبحسب أقوالهم فإن السجون باتت شبيهة بمزارع الدواجن والحيوانات بسبب انعدام أدنى مقومات الحياة وصعوبة زيارة عائلاتهم للسجون بسبب الحرب وعدم قدرتهم على تأمين أدويتهم واحتياجاتهم، إضافة إلى معاناتهم في تأجيل جلسات محاكماتهم لأكثر من 8 أشهر. مؤكدين أن "السجون قنبلة موقوتة، يجب إيجاد الحلول قبل فوات الأوان".