طوى الفراغ في رئاسة الجمهورية اللبنانية عامه الثاني، في ظل إستعصاء سياسي يقوّض كل المساعي الخارجية والداخلية التي فشلت على مدار ٢٤ شهرا في إيصال الكتل النيابية الى قواسم مشتركة تنتج رئيساً للبلاد.
قبل إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بشهر ويوم أي في ٢٩ أيلول ٢٠٢٢ عقدت الجلسة الأولى لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث نافس المرشح ميشال معوض الورقة البيضاء وإستمر هذا السيناريو لعشر جلسات في تواريخ مختلفة كان حجم معوض الانتخابي يتراوح بين ٣٢ صوتا وأربعين صوتا في أفضل الأحوال، الى أن أدرك أن حظوظه معدومة فآثر الانسحاب من المعركة الرئاسية.
في الجلسة رقم ١٢ التي عقدت في ١٤ حزيران ٢٠٢٣ حشدت المعارضة نفسها بدعم من التيار الوطني الحر خلف المرشح الوزير السابق جهاد أزعور في مواجهة رئيس تيار المردة التي كان الثنائي الشيعي وحلفاؤه من السنّة والمسيحيين أعلنوا تبني ترشيحه، وقد شهدت الجلسة منافسة كانت تهدف من قبل المعارضة الى قطع الطريق على فرنجية أكثر من الرغبة في إيصال أزعور الى قصر بعبدا، وقد حصل أزعور على ٥٩ صوتا فيما نال فرنجية ٥١ صوتا الأمر الذي شكل صدمة للمعارضة التي كانت تؤكد بأن رئيس المرده لن يتعدى الأربعين صوتا.
عندها أدرك الرئيس نبيه بري أن مجلس النواب غير قادر على إنتخاب رئيس جديد في ظل الإنقسام العامودي الحاصل، فدعا في ٣١ آب في كلمته في مهرجان ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر الى الحوار لثلاثة أيام قابلة للتمديد الى سبعة، وبعد ذلك يصار الى عقد جلسات متتالية للانتخابات، مؤكدا أن “لا فيتو على أحد ولا فرض لمرشح دون آخر، ولا تعطيل للنصاب”.
رفضت المعارضة دعوة الرئيس بري جملة وتفصيلا الى الحوار، وبالتزامن فشلت المبادرة الفرنسية واللجنة الخماسية والمبادرة القطرية والمبادرات النيابية الداخلية لا سيما مبادرة تكتل الاعتدال الوطني في إيجاد ثغرة بالجدار الذي يرتفع يوما بعد يوم أمام وصول الرئيس العتيد الى قصر بعبدا.
في غضون ذلك، لم تقدم القوات اللبنانية أية مبادرة ولم ترشح أحدا، متخذة من جهاد أزعور شماعة للتعطيل، كما لم يقدم التيار الوطني الحر أي مرشح، كما لم يتوافق مع القوات على مرشح جديد يمكن أن يدخل في منافسة مع سليمان فرنجية، فيما أطلقت دعوات لإنتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون كخيار ثالث، فيما حاول البعض الآخر بدعم مستتر من جبران باسيل طرح مدير عام الأمن العام بالوكالة العميد إلياس البيسري، فيما إستمر الثنائي وحلفاؤه في دعم فرنجية.
مع مرور سنتين على الفراغ في رأس السلطة اللبنانية ما تزال الأمور تراوح مكانها في المربع الأول، في ظل عجز كل الساعين والوسطاء في الداخل والخارج عن الوصول الى تفاهم أو إتفاق على مرشح رئاسي، وقد جاءت الحرب الاسرائيلية على لبنان بعد عملية طوفان الأقصى وإعلان حزب الله إنطلاق جبهة إسناد غزة لتطوي هذا الملف إلا من بعض التذكير الاسبوعي في عظة البطريرك الماروني بشارة الراعي، ومحاولات رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع تزعم المعارضة للضغط في هذا الاطار، من خلال لقائين عقدهما في معراب لم يحققا طموحه، حيث آثرت المعارضة من خارج القوات عدم المشاركة أو إرسال ممثلين عنها لمجرد رفع العتب.
مع إنطلاق الحرب الاسرائيلية الشاملة على لبنان، أعيد ملف رئاسة الجمهورية الى الواجهة، إنطلاقا من ضرورة وجود رئيس وحكومة جديدة فاعلة يكونا قادريّن على الدخول الى مفاوضات تطبيق القرار ١٧٠١، إلا أن هذا الطرح إصطدم بالانقسام السياسي المستمر، ما دفع الرئيس بري الى القول أمام عدد من النواب أن “مرشحه لا يزال سليمان فرنجية، إلا إذا جاء النواب بمرشح ومعه ٨٦ صوتا عندها سيدعو الى جلسة لانتخابه” وهذا أمر لا يزال مستحيلا في ظل هذه الظروف، وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أعلن إثر أحد اللقاءات مع بري في عين التينة، أن “رئيس المجلس مستعد للدعوة الى جلسة نيابية لانتخاب رئيس بمجرد وقف إطلاق النار”، ما يعني أن ثمة رفض للانتخاب في ظل الحرب.
لا شك في أن عودة الحديث عن الانتخابات الرئاسية، أحيا طموحات كثيرين من بينهم سمير جعجع وجبران باسيل، حيث ينتظر الأول هزيمة المقاومة للبدء بخوض معركته الرئاسية، فيما ينتظر الثاني أن تضعف المقاومة وتحتاج الى غطاء مسيحي جديد ليتقدم ويؤمن هذا الغطاء شرط دعم ترشيحه للرئاسة.. وفي الوقت الذي لم يبدل فيه الثنائي والحلفاء من دعمهم لفرنجية، بدأت أسهم قائد الجيش ترتفع إلا أن الأمر ما يزال يحتاج الى تفاهمات عدة غير متوفرة.
إذا، لا إنتخاب رئيس في ظل الحرب التي يبدو أنها ستكون طويلة، ولا مقايضة لوقف إطلاق النار برئيس، ولا فرض لأي رئيس من أي جهة كانت، ولا رئيس في الأفق السياسي مع إستمرار الإنقسام، ما يشير الى أن الأمور ما تزال على حالها من الاستعصاء في ظل فسيفساء يتألف منها مجلس النواب، حيث لا يستطيع أي فريق أن يأتي برئيس.
تشير المعطيات الى أن الجميع بات يدرك أن نتائج الحرب قد تحدد هوية الرئيس العتيد، فيما تعتقد مصادر أن هذا المجلس لن يستطيع أن ينتخب رئيسا، إلا إذا تبدلت التحالفات الداخلية وكان هناك إرادة وطنية لانجاز هذا الاستحقاق، عندها فقط يمكن “تهريبه” مهما كانت نتائج الحرب ووجهات النظر الدولية!.
The post الفراغ الرئاسي يطوي عامه الثاني.. لا رئيس في الأفق!.. غسان ريفي appeared first on .