أول مرة منذ انتصار ثورة 1979، عيّنت إيران حاكماً عربياً لمحافظة خوزستان جنوب غربي البلاد، تنفيذاً للوعود التي أطلقها الرئيس مسعود بزشكيان خلال حملته الانتخابية بشأن تعزيز مشاركة القوميات والأقليات الدينية في إدارة البلاد وتعزيز الوفاق الوطني.
وأكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، في مؤتمر صحفي عقدته الثلاثاء الماضي، أن المجلس الوزاري صادق على تعيين محمد رضا موالي زاده ليكون أول محافظ من جذور عربية في محافظة خوزستان.
وُلد محمد رضا موالي زاده بن السيد شبل عام 1960 في مدينة خرمشهر (المحمرة) جنوب غرب إيران، وحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة طهران. عمل أستاذاً في جامعة جندي شابور الشهيرة في مدينة الأهواز، ومثّل هذه المدينة في البرلمان الإيراني في الدورتين الرابعة والخامسة.
فضلاً عن تعيينه سفيراً لبلاده في الجزائر (2000-2005)، تقلد المحافظ العربي الجديد لخوزستان مناصب رفيعة أخرى، منها مساعد وزير الرفاه والرعاية الاجتماعية، ونائب وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي.
وفي تعليقه على تعيين شخصيات من القوميات والأقليات الدينية في مناصب عليا، أكد الرئيس مسعود بزشكيان خلال ترؤسه الاجتماع الحكومي صباح أمس الأربعاء أنه لا فرق بين أبناء الشعب الإيراني بمختلف انتماءاتهم، سواء من القومية العربية أو الكردية أو البلوشية وغيرها، مضيفاً: "بوقوفنا جنباً إلى جنب، نستطيع أن نعزز القوة والوفاق الوطني حتى لا يجرؤ الأجنبي على التفكير بالنيل من البلاد".
تحت شعار "الوفاق الوطني وتعزيز الوحدة والتماسك بين جميع شرائح المجتمع الإيراني"، وعد بزشكيان برفع القيود الاجتماعية، لا سيما عن شبكة الإنترنت، وفتح المجال لمشاركة جميع المكونات السياسية والقوميات والأقليات والمذاهب الدينية في إدارة الجمهورية الإسلامية، مشدداً على أن إيران ملك لجميع الإيرانيين.
مع مرور نحو 100 يوم على تولي بزشكيان رئاسة البلاد، لاحظ متابعون للشأن الإيراني أنه بذل مساعي حثيثة لرفع القيود الاجتماعية، ومنها وضع حد لحضور شرطة الأخلاق في الشوارع ورفع القيود عن الإنترنت.
بالإضافة إلى تعيين أول حاكم عربي بمحافظة خوزستان، سجلت حكومة بزشكيان تعيين أول محافظ من أهل السنة في محافظتي كردستان وسيستان وبلوشستان، وذلك لأول مرة منذ انتصار الثورة الإيرانية. كما حرص بزشكيان على تعيين شخصيات من قوميات مثل الكردية والبلوشية في مناصب أخرى.
يصف الناشط السياسي الإصلاحي والنائب العربي الأسبق في البرلمان الإيراني، جاسم شديد زاده التميمي، تعيين أول حاكم عربي لمحافظة خوزستان بأنه "خطوة إيجابية بامتياز"، معتبراً أنها كانت متوقعة من بزشكيان والتيار الإصلاحي الذي يتبنى الإصلاح كنهج لسياساته.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد التميمي أن تعيين شخصية عربية في منصب المحافظ، رغم كونه الأول من نوعه في محافظة خوزستان، إلا أنه ليس الأول على مستوى الجمهورية الإسلامية، حيث كان الرئيس الأسبق حسن روحاني قد عيّن الناشط السياسي العربي جاسم جادري حاكماً لمحافظة هرمزكان عام 2013.
ووفقاً للمتحدث، فإن البلاد تُبنى بسواعد أبنائها من القوميات والمذاهب المختلفة، مشدداً على أن النظرة الأمنية تجاه القوميات لا تليق بنموذج الجمهورية الإسلامية، مما يحرم البلاد من طاقاتها البشرية. وأكد أن القومية العربية في إيران تمتلك طاقات جبارة جداً لتعزيز علاقات طهران مع الدول العربية المجاورة وتولي مناصب رفيعة أثبتت جدارتها في قيادة المؤسسات العليا.
وأعرب التميمي عن حرص النشطاء السياسيين العرب في إيران على رد الجميل لثقة بزشكيان وإنجاح تجربة تعيين الحاكم العربي لهذه المحافظة من أجل الوئام الوطني بعيداً عن المنافسات القومية.
في سياق متصل، رأى الباحث السياسي المحافظ محمد مهاجري أن التيار المحافظ لم يعترض على تعيين شخصيات من القوميات والمذاهب في مناصب رفيعة. وأشار إلى أن صمت أقطاب هذا التيار حيال هذه الخطوة الإصلاحية يدل على موافقة ومباركة، حتى وإن كانت حذرة.
وأضاف مهاجري أنه رغم أن تعيين بعض الشخصيات في مناصب رفيعة أثار حفيظة التيار المحافظ، "فإننا لا نسمع تعليقاً واضحاً حتى الآن من أقطاب التيار الأصولي حيال القوميات والأقليات الدينية". وأكد أن خطوة بزشكيان كانت ذكية جداً في اختيار بعض المسؤولين من القوميات والأقليات الدينية لكي لا تثير حساسية الآخرين.
وخلص مهاجري إلى أن المجتمع الإيراني يتكون من طيف واسع من القوميات، وأنه لا يوجد حظر على تعيين أبناء القوميات والأقليات الدينية في المناصب العليا، ومن ثم فإن أي خطوة تصب في مصلحة تعزيز الوفاق الوطني مرحب بها لدى المعسكر المحافظ.