ما إن أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أمر إخلاء مخيم الرشيدية حتى عمّ الخوف والإرباك المخيمات الباقية وعددها 12 مخيماً. كما شهد مخيم الرشيدية حركة نزوح واسعة، وهذه هي المرة الأولى التي تنص فيها أوامر الإخلاء على اسم مخيم فلسطيني، بعدما كانت تذكر في المرات الماضية اسم المنطقة دون المخيم، فتُذكر الرشيدية أو البرج الشمالي دون ذكر المخيم، مما يخفف من التوتر ويحد من حركة النزوح الفلسطيني نسبياً.معظم السكان غادرواويُعد مخيم الرشيدية الأقرب إلى فلسطين من بين المخيمات الأخرى، ويبعد 12 كلم عن الحدود اللبنانية الفلسطينية. ولا يتواجد الفلسطينيون في تجمعات أقرب بعدما صدر قرار منتصف الخمسينات يمنع تواجدهم لمسافة عشرة كليومترات من الحدود.يقول محمد البقاعي، عضو اللجنة العليا للجان الشعبية، ومسؤول إعلام حركة فتح في الجنوب، في حديث للمدن إنه "عند بداية العدوان قبل حوالي شهر غادر معظم سكان المخيم البالغ عددهم حوالي 25 ألفاً، ولم يبق سوى 20 بالمائة من السكان. ثم بدأوا بالعودة تباعاً إلى أن وصلت نسبة السكان لحوالي 40 بالمائة ممن كانوا يقطنون المخيم قبل العدوان".وحسب البقاعي يقيم في المخيم اليوم حوالي 2000 عائلة، غادر منهم بعد تحذير أدرعي الأخير ما يزيد بقليل عن 20 بالمائة. أضاف أن التركيز المضاعف من وسائل الإعلام على الحدث زاد من حالة البلبلة ودفع إلى النزوح الكثيف، خصوصاً ممن لديه مريض أو كبير بالسن.وأشار إلى أنه كان من المتوقع أن تصل قافلة إغاثة إلى مخيم الرشيدية اليوم، وتُوزع محتوياتها على كل السكان، لكن الصليب الأحمر، المسؤول عن القافلة، طلب عدم دخولها حرصاً على سلامة عامليه، بعد أن أطلق أدرعي تحذيراته.وشدد على أن الوضع الإنساني ما زال مقبولاً، فالصيدليات تفتح أبوابها، والفرن التابع لحركة فتح يوزع الخبز يومياً "وقد احتاط القيمون عليه بتخزين الطحين بما يكفي السكان لأربعة أشهر". ويؤكد أنه بعد ساعات من تحذيرات أدرعي تجاوز الناس تأثيراتها إلى حد كبير.النزوح خارج المخيمأما مدير الهلال الأحمر الفلسطيني في منطقة صور الدكتور عماد حلاق فيشير إلى أن الخدمات الطبية في مستشفى تل الزعتر بالمخيم تعمل بشكلها المعتاد، وأنها وطواقم الإسعاف تهيأت منذ أشهر للظروف القائمة. وخضعت المستشفى للتجديد منذ ثلاث سنوات، طال غرف العمليات والمختبر وكل الأقسام.أضاف حلاق إن القصف المتواصل لمحيط المخيم يحدث حالة من الذعر أحياناً، خصوصاً عندما يستهدف منطقة الحوش التي تتعرض لقصف دائم ومستمر. وعن أماكن النزوح، أشار إلى أن المقصد بشكل أساسي صيدا ثم طرابلس ومركز سبلين، إضافة للمناطق الأخرى. ونوّه بحالة التضامن التي استطاعت تعويض الضائقة الاقتصادية نسبياً "فمعظم العمال هنا مياومون، ولا يستطيعون تدبير أمورهم لولا مساعدات الأقارب والجيران".المخيم سياسياًفي السياسة، تُعد حركة فتح القوة الأكبر في مخيم الرشيدية، وذلك يعود إلى سبب رئيسي وهو أن أمين سرها في لبنان لأكثر من عقدين اتخذ من المخيم مركزاً لنشاطه السياسي. ورغم ذلك فإن لحركة حماس وزناً سياسياً أيضاً، واغتيل بعد السابع من أكتوبر ثلاثة من قادتها داخل المخيم بفترات متلاحقة، واتهمتهم (إسرائيل) بمساندة الداخل الفلسطيني، وهم: خليل خراز وسمير فندي وهادي علي محمّد مصطفى.ومنذ تأسيسه عام 1949 شهد المخيم العديد من حركات النزوح، أبرزها خلال اجتياح عام 1978، واستقرت غالبية السكان في بيروت استقراراً نهائياً. كما شهد خلال فترة الثمانينات هجرة واسعة إلى خارج لبنان، ونزوحاً داخلياً خصوصاً إلى منطقة وادي الزينة في إقليم الخروب."المدن" التي زارت مخيم برج البراجنة، لاحظت الإرباك الذي أحدثه تحذير أدرعي لمخيم الرشيدية على من بقي من سكان المخيم الواقع في الضاحية الجنوبية. ودار حديث السكان حول أن التفاهمات، غير المكتوبة، التي كانت قائمة خلال عدوان 2006، سقطت مع هذا التحذير، وبدأت العائلات تفكر جدياً بالنزوح.وما يضاعف حالة الذعر، أنه ومع كتابة هذه السطور، راحت الأخبار تنتشر عن عدد من الشهداء الفلسطينيين سقطوا خلال المعارك في جنوب لبنان، وهم من مخيمي البداوي ونهر البارد. يُضاف إلى ذلك التهديدات الإسرائيلية المستمرة منذ سنوات لمخيمات لبنان، ليُصبح خوف السكان مفهوماً، لكن يبقى النزوح خيارهم الأسوأ والأخير، وفق قولهم.