من كان يتصور أن تنقلب الأدوار بهذا الشكل بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالنظرة للأونروا ما بين التأسيس عام 1949 وحظر عمل الأونروا الذي أصدره الكنيست قبل يومين؟. فعند التأسيس ساندت دولةُ الاحتلال الأونروا، ورأت فيها مؤسسة دولية يمكن أن تبعد عنها عبء تحميلها مسؤولية معاناة 750 ألف لاجئ فلسطيني، وتمهد إلى استيعابهم في الدول المضيفة وغيرها. لم تخيب الأونروا ظن "إسرائيل"، عملت على التوطين، والتهجير، وأوردت ذلك في تقاريرها الأولى. كما طرحت المشاريع لتصفية قضية اللاجئين أبرزها مشروع توطين لاجئي غزة في سيناء منتصف الخميسنات.
شاهدة على نكبة الفلسطينيين أما الفلسطينيون فنظروا نظرة ريبة لمنظمة منبثقة عن الأمم المتحدة التي لم تنصفهم، بل ساعدت قراراتها الدولية في إضفاء شرعية على عصابات طردتهم من أرضهم للتو. وأمدت الأونروا هذه النظرة بذرائع عديدة: مشاريع التوطين، الرقابة على موظفيها ومحاولة منعهم من النشاط الوطني، وفي أحيان كثيرة عدم مراعاة شعور الانكسار لدى اللاجئين أثناء توزيع المساعدات والخيم. تظاهر اللاجئون ضدها، وهتفوا "ما بدنا طحين، ولا سردين".لكن للزمن حكمه الذي يغيّر من طبيعة الأشياء. المدّ القومي ما بعد عام 1956 ساهم في تعطيل مشاريع التصفية الدولية. والعناصر الوطنية داخل وكالة الأونروا، خصوصاً في قسم التعليم، فعلت فعلها في استثمار المدارس لصوغ الهوية الوطنية الفلسطينية وتطويرها. وبدأ الفلسطينيون يتلمّسون فوائد وجود وكالة دولية ذات عناصر مدرّبة في الصحة والتعليم والبيئة وغيرها. تراجع عدد الوفيات من حديثي الولادة، وانتشر تعليم الفتيات بسرعة فائقة، وصار الفلسطينيون الأكثر تعليماً والأقل أميّة بين الشعوب العربية.الأونروا التي كان يُراد لها أن تكون شاهداً على دفن قضية اللاجئين، أضحت شاهداً على نكبتهم. وما كان يحزن محمود درويش في قصيدته عن الصليب الأحمر الذي يتولى كل شيء لم يعد يشعر الفلسطينيون، بعد سنوات، بما يعيبهم من تحمل الأونروا لتلك المسؤولية، وقد ورثتها عن الصليب الأحمر. وما عاتب به درويش أباه بأن الصليب الأحمر أخذ دوره، صار مطلب اللاجئين الفلسطينيين بحضور إضافي للأونروا، بل إن غيابها يقارب اليتم الاجتماعي خصوصاً بعدما خبروا اليتم السياسي بتراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية. ولم تعد لكلمات تلك القصيدة الوقع نفسه على اللاجئين كما كان عند نظمها: إنني أسأل مليون سؤال/ وبعينيك أرى صمت الحجر/ فأجبني يأ أبي، أنت أبي/ أم تراني صرت ابناً للصليب الأحمر.إنهاك الأونرواالقانون الذي أقره الكنيست الإسرائيلي بأغلبية 92 صوتاً مقابل معارضة 10 أصوات جاء بعد سلسلة طويلة من محطات الحرب التي شنتها "إسرائيل" على الأونروا. ينصّ القانون على "ألا تقوم (أونروا) بتشغيل أي مكتب تمثيلي، ولن تقدم أي خدمة، ولن تقوم بأي نشاط، بشكل مباشر أو غير مباشر، في أراضي دولة إسرائيل". بما يعنيه ذلك من إلغاء للاتفاقية التي تنظم هذه العلاقة منذ عام 1967، وإغلاق مؤسسات الأونروا في القدس الشرقية.
إن تأثير ذلك سيكون مباشراً على عمل الأونروا في الضفة الغربية وقطاع غزة، فهذه الوكالة الدولية بحاجة إلى التعاون مع الاحتلال لإدخال المساعدات الإنسانية، وتحرك موظفيها المحليين والدوليين، والتعامل البنكي، وحتى ترميم أو تحديث بعض المؤسسات، كذلك يمكن أن ينعكس إنهاء خدمات الأونروا على العمال والموظفين، ومستوى البطالة في الضفة وغزة، حيث يوجد في غزة 13000 موظف يعملون في مؤسسات الأونروا بينما يبلغ عددهم في الضفة 3850. ومن المتوقع التصويت على تصنيف الأونروا منظمة إرهابية خلال 90 يوماً.
عدا عما يشكله وجود الأونروا من تحدٍ لرواية الاحتلال بما يخص النكبة، فإن الأونروا تُعد الحافظ لسجلات اللاجئين وأرشيفهم المكتوب والمصور. كما أن هناك خلافاً جوهرياً بين الوكالة والاحتلال حول تعريف اللاجئ. فبينما ترى الأونروا أن "لاجئي فلسطين هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران 1946 وأيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948"، ويشمل ذلك أبناءهم وأحفادهم، ترى "إسرائيل" والولايات المتحدة أن من خرج عام 1948 وبقي حياً هو فقط من ينطبق عليه صفة اللاجئ. إضافة إلى ذلك فإن الاحتلال يعتبر أن مؤسسات الأونروا حاضنة للفصائل الفلسطينية، واتهم 19 موظفاً بالمشاركة بعملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ما أدى إلى تعليق العديد من الدول مساهماتها المالية للأونروا.سعت "إسرائيل" والولايات المتحدة إلى إنهاك وكالة الأونروا مالياً من خلال وقف واشنطن التمويل عدة مرات، أبرزها في عام 2018، ثم في بداية عام 2024، إضافة إلى مناسبات متعددة طيلة العقدين الماضين. وكانت تضغط على حلفائها الذين يستجيبون لوقف الدعم أو تخفيضه، بما يدفع الوكالة للاستجابة للطلبات الأميركية التي تحد من الحريات. ونصت صفقة القرن صراحة عام 2020 على إنهاء وجود الأونروا، واعتبارها عقبة أمام حل مشكلة اللاجئين. وبلغت استجابة الأونروا للضغوط ذروتها عام 2021 حين وقعت الأونروا اتفاقية الإطار مع الولايات المتحدة، والتي تمنع بموجبها الوكالة الخدمات عن المنتسبين للفصائل الفلسطينية، وتشترط عدم مشاركة موظفي الأونروا في الفعاليات الشعبية.خطوة منسقة مع دول؟وتبع ذلك فصل العديد من الموظفين بسبب نشاطهم الوطني، أبرزهم مدير مدرسة دير ياسين في مخيم البص فتح شريف، الذي كان فصله بمثابة إعدام معنوي، قاد إلى تصفية جسدية قام بها الاحتلال نهاية شهر أيلول من هذا العام. كما تم فصل عدد من كبار الموظفين في الضفة الغربية العام الماضي بعيد إضراب لأسباب مطلبية. وأثناء العدوان الحالي على غزة استهدف الاحتلال أكثر من 70 بالمئة من مدارس الأونروا، واستشهاد 231 من موظفيها.
لكن من سيتولى دور الأونروا؟ الحديث عن إحلال مؤسسات دولية مكان الأونروا ليس جديداً، وهو ما يضاعف الشكوك من أن تكون الخطوة الإسرائيلية منسقة مع جهات دولية، وليست غضبة يمين متطرف. ففي بداية عام 2022 أطلق المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني تصريحاً أحدث دوياً في ذلك الوقت، حين أعلن في مقابلة استنفاد الأونروا لقدرتها على الاستمرار في تقديم خدمات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين بذات المستوى والجودة المعتادة، وأنه "إذا كان هناك من شخص آخر سيتولى دورنا فعلى المرء أن يسأل عمن سيفعل ذلك".
وفي السياق نفسه، كان يتحدث المدير العام السابق لوكالة الأونروا في لبنان كلاوديو كوردوني، بتفصيل أكثر في مجالسه المغلقة سواء مع فصائل فلسطينية أو منظمات محلية عن هذا التوجه، وفي أحد اللقاءات التي حضرها كاتب المقال أشار كوردوني إلى مؤسسات دولية بعينها يمكن أن تتحمل بعض مسؤوليات الوكالة كاليونيسيف ومنظمة الصحة ومنظمة الأغذية. لكن بكل الأحوال عدا الشكوك التي تُثار حول إمكانيات هذه المؤسسات من الناحية التنظيمة والمعرفة بمجتمع اللاجئين، أيضاً فإن الخطوة تشكل محاولة لتجريد قضية اللاجئين الفلسطينيين من صفتها السياسية والتاريخية وحصرها بالجانب الإنساني.
أما على صعيد الوضع الفلسطيني في لبنان، فإن الأونروا تقوم بدور رئيسي في عدد من المجالات، إذ تضم مدارس الأونروا الـ65 حوالى 36 ألف طالب. كما تقوم الأونروا بإدارة مركز للتدريب المهني يقدم خدماته لما مجموعه 1,143 طالباً. يُضاف إلى ذلك وجود 28 مركزاً صحياً تديره الأونروا. وهناك ما يزيد عن 3000 موظف في قطاعات الأونروا المختلفة. وفي مجتمع قال لازاريني إن مستويات الفقر تبلغ فيه 80 بالمائة، من المتوقع انعكاس أي تراجع في خدمات الأونروا أو في حركة التوظيف على الجانب الاجتماعي البائس أصلاً، وما يتصل به من آثار أمنية ربما.
كما أن الأونروا تضخ في الاقتصاد اللبناني ما يقارب 200 مليون دولار سنوياً كما صرحت المتحدثة الإعلامية باسم الوكالة هدى السمرا لـ"المدن" العام الماضي. إضافة إلى توظيف عدد من اللبنانيين كموظفين دائمين أو في بعض المشاريع المؤقتة، واستئجار عشرات المباني بمبالغ طائلة. ورغم المناشدات العديدة في السابق، لم تسعَ الدولة اللبنانية إلى تنظيم العلاقة مع الأونروا طيلة العقود الماضية، مما يضاعف الآثار السلبية، ويقلل من آليات الحماية للاجئين ولبنان معاً. معلومات حول الأونروافيما يلي معلومات بالأرقام والتواريخ عن الأونروا ونشاطاتها:
- تم تأسيس وكالة الأونروا بموجب القرار رقم 302 في 8 كانون الأول/ديسمبر 1949، بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين. وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من شهر أيار/مايو من عام 1950.
- تقدم الأونروا خدمات إلى 5.9 مليون لاجئ
- مناطق الأونروا الخمس التي تعمل فيها هي: لبنان، سوريا، الأردن، الضفة بما فيها القدس الشرقية، غزة.
- عدد المخيمات التي تعمل بها الأونروا 58 مخيماً.
- تعبّر الأونروا عن المسؤولية السياسية للأمم المتحدة تجاه اللاجئ الفلسطيني.
- يعمل في الأونروا حوالي 30 ألف موظف.
- أكثر من 7 مليون زيارة سنوية لعيادات الأونروا.
- تضم 140 مركزاً صحياً.
- 3,024 هو عدد موظفي الصحة.
- 545,000 طالب وطالبة في مدارس الأونروا.
- عدد الطلبة في مراكز التدريب المهني والفني 7688 طالباً.
- عدد موظفي التعليم هو 19877 موظفاً.
- هناك 702 مدرسة وثماني كليات مهنية وكليتان للعلوم التربوية إضافة إلى معهدين لتدريب المعلمين.
- 1.6 مليار دولار ميزانية الأونروا لعام 2022.
- تمويل الوكالة طوعي من الدول المانحة.
- يعيش 1,2 مليون شخص في حالة فقر مطلق، وأن 700,000 يعيشون في حالة فقر مدقع حسب تقارير الأونروا.
- 5 كانون الثاني/يناير 2018: الولايات المتحدة الأميركية تعلن تجميد 125 مليون دولار، من مساهمتها في ميزانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين. وكانت مساهمتها السنوية 365 مليون دولار.
- في تموز/ يوليو 2021 وقعت الأونروا اتفاقية الإطار التي تمنع الخدمات عن المنتسبين للفصائل الفلسطينية، وتشترط عدم مشاركة موظفي الأونروا في الفعاليات الشعبية.
- في التاسع من كانون الأول/ديسمبر 2021 الأونروا سلّمت رواتب موظفيها، في أول تأخير منذ تأسيسها.
- 11/4/2022: المفوض العام فيليب لازاريني يعلن في مقابلة استنفاد الأونروا لقدرتها على الاستمرار في تقديم خدمات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين بذات المستوى والجودة المعتادة، وأنه "إذا كان هناك من شخص آخر سيتولى دورنا فعلى المرء أن يسأل عمن سيفعل ذلك".
- 28/10/2024: الكنيست الإسرائيلي يحظر نشاط الأونروا في (إسرائيل).