شهدت الأوساط الثقافية والأدبية حدثًا بارزًا بتوقيع الدكتور مكي كشكول كتابه الرابع من سلسلة «الكوفة»،
وهي السلسلة التي تعكس اهتمامه العميق بالتاريخ الإسلامي، وخاصةً فيما يتعلق بمدينة الكوفة ودورها
المحوري في العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية والدينية التي أثّرت على العالم الإسلامي.
هذه السلسلة، التي تستعرض الكوفة من زوايا متعددة، قدّمت رؤى نقدية وتحليلية تعكس قوة الفكر التاريخي والأدبي للدكتور كشكول.
الكوفة: رمز الحضارة الإسلامية
تعدّ الكوفة من أبرز المدن في تاريخ العالم الإسلامي، إذ كانت مركزاً سياسياً وثقافياً وعلمياً خلال العصرين الأموي والعباسي.
أسسها المسلمون في القرن السابع الميلادي، وتاريخها حافل بالأحداث البارزة والشخصيات المؤثرة، من بينهم الإمام علي بن أبي طالب وأئمة أهل البيت.
لذا، تولي هذه المدينة مكانة خاصة في قلوب العديد من الباحثين والمؤرخين، والدكتور مكي كشكول يأتي في مقدمة من اهتموا بدراسة هذه المدينة وتحليلها بعمق.
سلسلة كتب «الكوفة»
سلسلة كتب «الكوفة» التي بدأها الدكتور كشكول تهدف إلى تسليط الضوء على الجوانب المختلفة من تاريخ
المدينة، سواء من الناحية السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية.
تضم السلسلة الآن أربعة كتب، كل كتاب منها يتناول زاوية جديدة ومختلفة من تاريخ الكوفة
الكتاب الأول: «الكوفة في الميزان»
في «الكوفة في الميزان»، يناقش الدكتور مكي كشكول واحدة من أهم الثورات في التاريخ الإسلامي، وهي ثورة الإمام الحسين ضد النظام الأموي.
كما يغطي الكتاب رحلة الإمام الحسين من المدينة إلى مكة ومنها إلى العراق، مسلطًا الضوء على دوافع الثورة وسياقها السياسي والاجتماعي.
غير أن ما يميز الكتاب هو تحليله للروايات والأحاديث التي رافقت هذه الثورة، والتي يرى الكاتب أنها تعرضت لتحريف وتزوير شوه مسارها الحقيقي.
الدكتور كشكول في هذا الكتاب يسعى إلى كشف هذه التزييفات التاريخية، والتي كانت تُستخدم لتقويض
المعنى الحقيقي لثورة الحسين، حيث كانت في الأساس حركة تهدف إلى نشر الوعي ضد الأنظمة
المستبدة والسعي لتحقيق الحرية والكرامة الإنسانية.
يسعى الكاتب من خلال هذا الكتاب إلى إظهار الأبعاد الحقيقية للثورة، مؤكدًا على دورها في تحفيز الشعوب المستضعفة على الثورة ضد الظلم.
الكتاب الثاني: «الكوفة قراءة جديدة»
في «الكوفة قراءة جديدة»، ينظر الدكتور كشكول إلى الكوفة من منظور تاريخي وجغرافي واجتماعي.
يبدأ الكتاب بتفسير سبب تسميتها بالكوفة، وتفاصيل نشأتها وتركيبتها السكانية.
ويغوص في الحديث عن الظلم الذي تعرضت له المدينة وسكانها على أيدي الحكام المتسلطين، والمرتزقة
الذين كانوا يخدمون السلطات ويعيدون كتابة التاريخ حسب ما يخدم مصالحهم.
ما يميز هذا الكتاب هو تعامله مع التاريخ المزور الذي أصبح جزءًا من «المسلّمات» التي اعتنقها البعض دون
تمحيص أو تحقيق. يستخدم الدكتور كشكول منهجًا تحليليًا حياديًا ليعيد تفكيك هذه الروايات التاريخية
المغلوطة ويعرض للقارئ الصورة الحقيقية لأحداث تلك الحقبة. يهدف الكتاب إلى تحفيز القارئ على التفكير
النقدي واستلهام العبر المفيدة من التاريخ، بدلًا من التسليم بالأخبار المشوهة التي أُدرجت في التراث.
الكتاب الثالث: «الكوفة بين الولاء العلوي والعداء الأموي»
في «الكوفة بين الولاء العلوي والعداء الأموي»، يتناول الدكتور كشكول السبب وراء الصورة السلبية التي ارتبطت بالكوفة وأهلها في كثير من النصوص التاريخية.
يناقش الكاتب الأسباب التي جعلت الكوفة تُوصَف بتلك المدينة «الملعونة» وسكانها بالجحود والخيانة.
هذه الصورة، التي شاعت عبر العصور، أصبحت نمطًا ثابتًا من الانتقاد، حيث نُسبت للعراقيين مقولات مثل
«أغدر من كوفي» و»الكوفي لا يوفي»، وأيضًا المقولة المشهورة المنسوبة للإمام علي: «يا أهل العراق،
يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق».
الدكتور كشكول يكشف في هذا الكتاب عن محاولة الحكام الأمويين تشويه صورة الكوفة وسكانها، خاصةً لما كانت تمثله من قاعدة سياسية للمعارضة العلوية.
شالعام، وتشويه سمعة الكوفيين وأهل العراق عمومًا.
يوضح الكاتب أن هذه الادعاءات استخدمت كسلاح سياسي لتبرير اضطهاد السكان وتقليل من شأن المدينة
التي كانت مركزًا هامًا للحركات السياسية والاجتماعية المعارضة للنظام الأموي.
الكتاب الرابع: «الكوفة: بين التراث والتجديد»
يأتي الكتاب الرابع الذي وقعه الدكتور مكي كشكول تحت عنوان «الكوفة: بين التراث والتجديد» كإضافة مهمة لسلسلة «الكوفة»، حيث يجمع فيه بين قراءة الماضي واستشراف المستقبل.
كما ىيعالج الكتاب مسألة تأثير الماضي الكوفي على الحاضر وكيفية استلهام العبر من التاريخ لتشكيل هوية مستقبلية تعزز من التقدم الاجتماعي والسياسي.
يناقش الكتاب أيضًا كيفية استغلال التراث الكوفي الغني في تعزيز الوعي الاجتماعي والسياسي في الوقت
الحالي، خاصة في مواجهة الأنظمة المستبدة والتحديات المعاصرة التي تواجه العالم العربي والإسلامي.
أهمية السلسلة وتأثيرها
تشكل سلسلة كتب «الكوفة» عملًا فريدًا يجمع بين الأدب والتاريخ والدين لتحليل قضايا اجتماعية وسياسية معقدة.
أظهر الدكتور كشكول قدرة غير عادية على ربط الأحداث التاريخية بالعصر الحديث، وإسقاطها على الواقع
الحالي. يعكس تحليله العميق للمرويات التاريخية محاولته لتنقية التراث مما لحق به من تحريف وتزوير.
تسعى هذه السلسلة إلى تعزيز الفهم المتبادل بين الشعوب والأديان والمذاهب المختلفة، من خلال تسليط
الضوء على التاريخ المُشوه والتحريفات التي تم استخدامها كأدوات لإثارة الخلافات والانقسامات.
وبالتالي، تهدف كتب الدكتور كشكول إلى إحياء التراث العربي والإسلامي بأسلوب متجدد يركز على موضوعية التحليل التاريخي وحياديته.
يواصل الدكتور مكي كشكول من خلال توقيعه لكتابه الرابع في سلسلة «الكوفة» تقديم أعمالٍ أدبية وتاريخية
غنية ومهمة. تسهم هذه السلسلة في تعزيز الوعي التاريخي وتصحيح الفهم الخاطئ للعديد من الأحداث والشخصيات الإسلامية.
ومن خلال تسليط الضوء على الكوفة ودورها المحوري في التاريخ الإسلامي، يهدف الدكتور كشكول إلى إعادة
قراءة التاريخ برؤية نقدية وموضوعية، مما يساعد على تعزيز التفاهم ونبذ العنف والخلافات في المجتمعات العربية والإسلامية.
حفل التوقيع وتفاعل الجمهور
حفل التوقيع الذي أقامه الدكتور كشكول في إحدى المكتبات الثقافية الشهيرة، حضره العديد من الباحثين والمثقفين من مختلف الدول العربية.
كانت الأجواء مفعمة بالتفاعل، حيث ناقش الدكتور كشكول مع الحضور بعض النقاط الهامة من كتابه الجديد،
وأجاب على استفساراتهم المتعلقة بتاريخه الطويل مع مدينة الكوفة، التي باتت تشكل جزءاً كبيراً من اهتماماته البحثية.
وقد عبّر العديد من الحضور عن تقديرهم لجهود الدكتور كشكول في إحياء تاريخ المدينة وتقديمه بطريقة تليق
بمكانتها.
كما أبدوا إعجابهم بالأسلوب السلس والمتماسك الذي يتبعه في كتابة أعماله، مما يجذب قراءً من مختلف الفئات العمرية والثقافية.