اقسى من وقع التحذير الأول للناطق باسم الجيش الإسرائيلي الى أهالي مدينة بعلبك وبلدتي عين بورضاي ودورس التي وضعت في مرمى عدوانه المباشر، كان التحذير الثاني الذي صدر مساء والذي دعا "جميع سكان القرى اللبنانية الذين أخلوا منازلهم بأن لا يعودوا إليها حتى إشعار آخر". وجاء البيان الثاني في ظل عدم قدرة أعداد كبيرة من النازحين على تحديد وجهة لنزوحهم، فيما تمكن آخرون من بلوغ محطات مؤقتة في بلدات بقاعية إكتظت بالأساس بمن سبقوهم الى مراكز الإيواء. وعليه جاء التحذير الثاني محملاً بإحتمالات إطالة تشريد عدد كبير من العائلات، مع ما يمكن أن يتسبب به من أزمة إجتماعية، وخصوصاً في ظل عدم وضوح الرؤية حول مصير مدينة بعلبك التي أصبحت شبه خالية من سكانها، وفي ظل ضيق المساحات التي لا تزال قادرة على إيواء النازحين.
بسرعة البرق إنتشر التحذير الذي صدر عن الجيش الإسرائيلي قرابة الثانية عشرة من ظهر أمس الأربعاء. زعم البيان "أن جيش الدفاع سيعمل ضد مصالح حزب الله" علماً أن المناطق التي أشار إليها مكتظة بالسكان وهي تشهد أكبر كثافة سكانية في محافظة بعلبك الهرمل. إستقبلت سابقاً نازحين من مختلف مناطق بعلبك. وقد حدد مسار الإنتقال الى خارج مدينة بعلبك وبلدتي عين بورضاي ودورس الملاصقتين لها، عبر ثلاثة طرقات دعا الى سلوكها، هي أوتوستراد زحلة- بعلبك، طريق نحلة – بعلبك، وطريق الأرز بعلبك. وهذا ما جعل محيط المنطقة كلها من محيط نحلة الى محيط دورس غير آمن.إرباك شديد وصدمةلم يكن سهلاً بالنسبة لمن غادروا بيوتهم على عجل إختيار وجهتهم، خصوصاً أن معظم قرى البقاع باتت عرضة لاستهدافات متكررة منذ اليوم الأول لتوسع العدوان الإسرائيلي الى محافظة بعلبك تحديداً. وهذا ما تسبب بحالة إرباك شديد وصدمة لدى البعض، دفعتهم للتوجه الى قلعة بعلبك إحتماء بالحصانة الدولية التي يفترض أنها تحيد الأماكن التاريخية عن الإعتداءات، إلا أن محافظ بعلبك بشير خضر دعا المواطنين لعدم التوجه الى القلعة لكونها تقع من ضمن المنطقة الحمراء التي حددها جيش العدو مؤكداً أن الخوف هو على سلامة المواطنين اولاً.
ساعات من الزحمة الخانقة على خطوط السير المحددة، أعادت الى الأذهان مشهد النزوح الأول لأهالي الجنوب اللبناني. إلا أنه خلافاً للأيام الأولى للعدوان لم يتمكن نازحو بعلبك هذه المرة سوى من الوصول الى مقرات مؤقتة.
ففيما لم تشهد مدينة زحلة تقاطر عدد كبير من العائلات شبيه لذلك الذي رافق موجة النزوح الأولى منذ نحو الشهر، خصوصاً أن مراكز إيواء النازحين فيها مقفلة على عدد العائلات الموجودة فيها، أعلن محافظ البقاع كمال أبو جودة عن فتح ستة مراكز إيواء جديدة في المحافظة، إثنتان منها في قب الياس، وواحدة في كل من جب جنين، المنارة، راشيا، وبكا.قدرة إستيعاب محدودة غير أن قدرة إستيعاب هذه المراكز بقيت محدودة قياساً الى حجم النزوح، وعليه توجه عدد آخر الى دير الأحمر المكتظة أساساً بعدد النازحين، حيث أعلن محافظ بعلبك بشير خضر عن وصول كميات من المساعدات الإضافية إليها لتأمين حاجات النازحين، ومن بينها شوادر وخيم لتقيهم برد الليل، هذا في وقت شدد المحافظ خضر على أن الإقامة في البلدة لا يمكن إلا أن تكون مؤقتة مطالباً بإيجاد مراكز إيواء إضافية لمن غادروا بيوتهم. فيما شهدت طرقات النزوح بإتجاه عرسال وقرى رأس بعلبك حركة كثيفة أيضا. ليبقى عدد كبير من النازحين في عراء قرى ومدن بقاعية مختلفة، حيث تحركت البلديات من أجل تأمين بعض الإحتياجات ولو بالحد الأدنى. وكانت دعوة من محافظ بعلبك للنازحين كي يتوجهوا الى عكار التي ذكر أن مراكز الإيواء فيها لا زالت قادرة على إستقبال أعداد إضافية من النازحين.
في المقابل نفذت إسرائيل أولى تهديداتها للمنطقة التي حددتها بالحمراء بالتزامن مع كلمة الأمين العام للحزب نعيم قاسم. ولم تتمكن وسائل التواصل الاجتماعي من رصد مواقع الغارات سوى من بعيد وحددت مواقع بعضها في الشراونة، والشيخ عبدالله. وعمم الجيش الإسرائيلي خريطة بالأماكن التي استهدفها في وسط المدينة وعند مدخلها وفي دورس وعين بورضاي، بالإضافة إلى استهدافه مواقع أخرى في كل من حي العسيرة، ايعات، ومرتفعات شمسطار، وتلال رأس العين، حيث ذكر أن أعمال رفع الأنقاض أسفرت في حصيلة أولية عن إنتشال جثتي شهيدين هما رجل وزوجته من آل الصاروط والبحث مستمر عن ابنتهما.شهداء وجرحىكما نالت بلدة بدنايل حصتها من الاعتداءات المتكررة، حيث أدت غارة على أحد منازل البلدة الى استشهاد ثمانية أشخاص كحصيلة أولية هم من عائلتي أبو صالح ومهدي، بالإضافة الى استهداف بلدتي لبايا وسحمر في البقاع الغربي.
وقبيل الثانية عشرة من ليل أمس،ذكرت معلومات عن إستهداف بلدة بيت صليبي وسقوط ما لا يقل عن 14 شهيد كحصيلة أولية.
يذكر أن بعلبك تتعرض لعدوان هو الأعنف هذا الأسبوع، بعد المجزرة التي إرتكبتها إسرائيل الإثنين الماضي في 18 بلدة بقاعية وأدت الى إستشهاد 67 شخصا. علما أن عدد الغارات المنفذة على المحافظة حتى الآن قد ناهز الألف، فيما بلغ عدد الضحايا وفقاً لآخر تحديث للأرقام 508 شهداء.