منذ أنْ بدأ العدوان الإسرائيلي على لبنان إثر عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأوّل من العام الماضي، إرتفعت في لبنان أصوات تزايدت بشكل لافت بعد غارات الطائرات الحربية التي شنّها العدو الإسرائيلي منذ قرابة شهر، والتدمير الواسع الذي أحدثته، إلى جانب سقوط شهداء وجرحى وتهجير سكان وأضرار واسعة، عكست على نحو واضح الإنقسام اللبناني الحاد من العدوان، وقراءة كلّ طرف له من زاويته الخاصّة، ونظرته إلى مستقبل لبنان ومصيره في اليوم التالي الذي سيعقب توقف الحرب.
هذا الإنقسام يُعدّ في بلد مثل لبنان أمراً عادياً ينسجم مع تاريخ وطبيعة البلد الذي تختلف مكوناته على كلّ شيء فيه، سواء كان هذا الشيء هامّاً أم هامشياً، بحيث ندر أن توافق اللبنانيون، إلّا شكلاً، على أمر جامع معهم، نظراً لخصوصية وحسابات كلّ طرف فيه سياسياً وطائفياً ومذهبياً، أو لارتباط أغلب الأطراف اللبنانية بجهات خارجية نافذة لها حضورها وتأثيرها ومصالحها في لبنان.
ومع أنّ لبنان تعايش مع هذا الإنقسام تارة، أو أدّى هذا الإنقسام إلى أزمات جرى التعبير عنها على شكل نزاعات وحروب أهلية، منذ تأسيس نواة الكيان اللبناني أيّام المتصرفية مروراً بالإنتداب الفرنسي والإستقلال وصولاً إلى اليوم، فإنّ المرحلة الأخيرة عكست إنقساماً أعمق يخشى أن تداعياته أكثر إرتداداً بعد وضع الحرب أوزارها.
أفكار ورؤى وتطلعات عديدة ضجّ بها الفضاء الإعلامي اللبناني والعربي طيلة أكثر من سنة، لم تعكس فقط الإنقسام السياسي الداخلي والخارجي حول ما حصل من عدوان إسرائيلي على قطاع غزّة ولبنان، ما يزال مستمراً، إنّما أثار مخاوف من أن يؤدّي هذا الإنقسام إلى أزمة سياسية حادّة لا أحد يعرف إلى أين ستؤدّي، مع توترات أمنية، ولا ما سيكون تأثيرها على وجود ومستقبل البلد الواقف على فوالق إنقسامات داخلية وخارجية عميقة.
أسئلة كثيرة طرحت وما تزال حول كيف سيكون عليه الوضع في لبنان في اليوم التالي بعد انتهاء الحرب، أو حتّى في حال حصول هدنة، من أبرزها ما يلي:
أولاً: على أيّ أسس ومبادىء سيلتقي عليها الأطراف في الداخل بعد حملات التحريض والتخوين والشّماتة التي عبّر عنها الإنقسام الداخلي حيال العدوان الإسرائيلي.
ثانياً: ما هو الحدّ الأدنى من التفاهمات السّياسية التي ستلتقي عليها القوى السياسية في البلد بعدما أفرز العدوان الإسرائيلي أكثر من هوّة وفجوة بين هذه القوى تحتاج إلى جهد جبّار لسدّها.
ثالثاً: كيف ستتفق هذه القوى على ملفات شائكة مثل الإنتخابات الرئاسية وتأليف حكومة جديدة وإنجاز قانون إنتخابي جديد، وهي التي عجزت عن ذلك قبل وقوع العدوان.
رابعاً: باعدت الحرب العدوانية بين القوى السياسية المختلفة، سواء المتخاصمة أو التي كانت متحالفة، الأمر الذي سيجعل تواصل هذه القوى مع بعضها البعض لمعالجة تداعيات الحرب أمراً شائكاً، كما سيؤدي إلى خلط أوراق وقيام تحالفات غير التي عرفها اللبنانيون قبل الحرب، وهو مشهد سياسي لن يبصر النور قبل مخاض عسير، مع ما سيرافقه من توترات ومزيد من الإنقسامات على كلّ الصّعد.
موقع سفير الشمال الإلكتروني