يا رفيقاً في عمق صداقتي...
ويا عزيزاً في تاج معرفتي...
ويا شاكياً في صوت تهذيبي...
ويا باحثاً عن مساحة من عطر الشهادة التي ترغب فيها...
ويا ابن الدوير البار رغم قساوة الأيام...
يا محمد عدنان حديد المقتدر بما أعطاك الله، والمساعد لكل من يطلبك بما أمكنك الله...
ويا عاشقاً للمقاومة بكل ما فيها، وصلني خبر استشهادك ليلاً وأنت من عشاق الفجر ونور الشمس، لحظتها لم أصاب بالصدمة، ولم يزعجني الخبر، فأنا كما غيري كنا نتوقع الطلب، ولكنني حزنت، وتضايقت، وابتسمت!
لماذا أُصاب بالصدمة وفي كل جلساتنا تتحدث عن تمنياتك أن تنالها، وها أنت حضيت بها، وبالتأكيد شعرت بها وأنت تمسكها فرِحاً في لحظات عابرة ما بين الحياة والرحيل، وما بين عتمة الظُلم ونور الملائكة، وما بين رنين الحقد على بواسلنا وعنفوان روحك الهنية، وما بين عنفوان أن تقدم الحياة لنا وأنت تستشهد...لم نصدم لأنك أنت لم تصدم بها، وها أنت تاجها.
لم انزعج فالخبر هو حصاد مشوارك التعِب، وصلواتك الصادقة ومشاغباتك الشبابية غير المزعجة، وغير الجارحة، وغير الموجعة... خبر استشهادك يا غالياً يا محمد حديد هو نكهة الدعاء والتمني...
نعم حزنت، وحزني ليس عليك بل على حالنا من بعدك، ومن بعد هؤلاء الأطهار الأوفياء المخلصين للرب وللأرض وللوطن وللقائد وللناس، والأهم للرحمن...
كيف أحزن عليك وأنت أسعد السعداء بما حصلت، وما أصابك يتمناه الجميع من جنود الرحمن...
نعم تضايقت فالشجرة المثمرة التي حمتنا باغصانها قد خسرت غصناً متيناً ومندفعاً ورجلاً إسمه محمد حديد، وكما كنت تقول، المشوار يستمر، والشجرة فروعها تزداد، والله حاميها...تضايقت أنا مع إنك لم تتضايق، ويقيناً ارتحت من هموم الدنيا بما فيها، وتدرك انك رسمت خيوط الفجر فينا، وحملت امتعتك ورحلت...
نعم ابتسمت، فأمثالك رغم سكاكين الغدر، وطعنات هذا وذاك غيرة لم تنال منك، لكنها اقتربت من روحك حتى شعرت بها، فحكيتها، ورويتها، ورميتها خلف الحذاء...ابتسمت، لآنك أمسكت بالشمس في يسارك وبيمينك كانت البندقية وكل ما يبلسم أوضاعنا وأوجاعنا...
محمد عدنان حديد، لم تكن الحياة منصفة كثيراً معك، ولكنك كنت من الصابرين، ولم تنال ما تستحقه، ولكنك أخذت ما في الجعبة دون غرور، ولم تهتم لثرثراتهم وضجيجهم، ولكنك تفوقت بابتسامة وبحياة الشباب الدائم...
محمد عدنان حديد، الصديق المخلص، الذي يأخذ من الموتوسيكل مشواره إلينا، نتسامر، يتمتع بالحوارات، يستمع، ويدلو بدلوه بعد نعمة الاصغاء...ولا مرة تطاول على من خالفه الرأي، أو من طعن به، ولا مرة اصيب بالغرور رغم إدراكه لكم محبتنا له، ولا مرة ولا مرة ولا مرة اشتكى عن جحودهم معه، بل كان يطلب لهم المغفرة والتسامح!
قبل أيام اتصل ليبشرني بالنصر الكبير الذي ننتظره، وبأنه قام بإنشاء جمعية خيرية لمساعدة الناس، وسيعلنها بعد هذه الحرب حتى يقف من اناسه...
ها هو استشهد فاليسعد له من أحبه واحترمه وصادقه وقام هو بخدمته...
ها هو استشهد فاليسعد برحيله من غار منه، وتضايق لوجوده، وثرثر عليه في غيابه...ولكن بالتأكيد هو محمد حديد نال شرف الشهادة، والحساد حسدوه عليها...!
حتى في استشهادك يا صديقي الطيب الحاسم والوفي والمنتقد وشباب الروح يحسدونك...!
الله معك يا محمد حديد، يا شهيداً في جبل عامل، يا من تستشهدون حتى ترتوي أرض العرب والمسلمين الجافة من خمولهم وغدرهم وقلة شرفهم...!
والله معكم يا شهداء الشرف، وأنتم الخير والبركة في حياتكم، وعملكم، وتضحياتكم، وحتى أنتم نصرنا في استشهادكم...
صديقي الشهيد محمد حديد بالطبع سننتصر، وسنزرع أرض جبل عامل التي جبلت بدماء الأطهار، ولكن الدنيا ليست كما كنت معنا...وحتى الوطن وجب أن يتغير بعد هذه الحرب وهؤلاء الشهداء، ويكفينا يا محمد تنازلات بحجة أمن الوطن، وغالبية من معنا في الوطن باعونا وتأمروا علينا!
نعم الحياة تنطلق، والزمن يبحث عنا دون أن ينتظرنا، إلا أن الحياة والزمن ليسا بجمال الفرح الذي كنت تهديه لنا في حضورك...
سنستمر حتى نتذكر الشهداء وبفخر، ولن نطال مجد الشهداء حتى حينما نتكلم عن الشهداء بثقة وعزة وعنفوان...