بعد الاستقرار النسبي لأعداد كبيرة من العائلات النازحة في العاصمة بيروت، تغيّر شكل الاستهلاك والطلب على الأدوات المنزلية كافة، إذ يقول التجّار إن المبيعات زادت بنسبة 400% وإن الطلب يقتصر على السلع الأرخص ثمناً. يعود ذلك إلى أنه في الأسابيع الثلاثة الماضية، زاد عدد السكان في بيروت بنسبة تصل إلى 50%، وبات استقرار هذه الأسر مرتبطاً بتجهيزات أساسية مثل البرادات والغسالات وأفران الغاز، فضلاً عن أدوات المطبخ المخصّصة لإعداد الطعام كالأواني المعدنية، والملاعق والشوك، والزجاجيات مثل الأكواب والصحون.
في محلة المزرعة في بيروت، لا يكاد ينقطع وصول شاحنات المورّدين إلى المحال التجارية خلال ساعات النهار. تتركز نوعية السلع الواردة إلى المنطقة، على الأدوات المنزلية، المعدنية والبلاستيكية، وأنواع محدّدة من الأدوات الكهربائية. يصف محمد الخطيب، صاحب محل لبيع الأدوات البلاستيكية، وضع الحالة التجارية بالإشارة إلى أن «البيع مثل النار. فهناك أنواع معيّنة من البضائع لا تبيت يوماً كاملاً في المحل، مثل الكراسي والطاولات البلاستيكية». ويشير إلى أنّ «الغلّة اليومية لا تقل عن ألفي دولار»، إنّما من دون أن يحدّد نسبة الأرباح الصافية منها. ويلفت الخطيب إلى تركّز الطلب في المفروشات البلاستيكية على «الطاولات الصغيرة الخفيفة، والكراسي الرخيصة التي لا يزيد سعر الواحدة منها عن 4 دولارات».
بحسب الخطيب، تعاني أغلبية العائلات النازحة، خاصة في المناطق الشعبية في بيروت، من «الضيق المادي، خاصةً مع توقف أرباب الأسر عن العمل». لذا «تلجأ الأسر إلى الشراء على الضيق، لتأمين حاجات أساسية من دون التوسع في التجهيز». فالمفروشات البلاستيكية الكبيرة متاحة، وهناك كراسٍ يصل سعر الواحد منها إلى 20 دولاراً، إنّما «لا طلب عليها». ويلفت الخطيب أيضاً إلى «وجود طلب ملحوظ على مناشر الغسيل، وعبوات تعبئة المياه سعة 20 ليتراً، وأدوات التنظيف مثل الفراشي البلاستيكية، وأباريق المياه».
أما الأدوات الكهربائية الأساسية، مثل البرادات والغسالات وأفران الغاز، فوضعها مشابه للأدوات المنزلية، إذ «يتركز الطلب على الأرخص، والأصغر حجماً»، يقول محمد الغول، صاحب أحد محال بيع الأدوات المنزلية. ويجزم الغول بزيادة المبيعات، مشيراً إلى زيادة بنسبة 400%. ويروي: «سابقاً، كنا نبيع قطعة كهربائية كبيرة واحدة في اليوم في أحسن الأحوال، مثل البراد أو الغسالة. أما الآن، وفي الأيام الأولى للنزوح، ققد راوحت حركة المبيع من 4 إلى 6 برادات يومياً، وهذا رقم كبير». لكن ليست كلّ القطع المعروضة في المحل مرغوبة، بحسب الغول، إذ «يتركز الطلب على الأرخص». مثلاً، يفضّل النازحون الماركات المحلية من البرادات، كونها أقل ثمناً من المستوردة، ولا يزيد سعر البراد بقياس 18 قدماً عن 300 دولار. كما يفضّلون الأحجام الصغيرة من البرادات، بعكس ما كان سائداً قبل الحرب. يومها، كانت العائلات تفضّل شراء البرادات الأكبر، والأكثر توفيراً للطاقة، رغم سعرها الأعلى.
ويمتدّ تفضيل القطع الأرخص على الغسالات أيضاً. «يتجنب الزبائن مثلاً شراء الغسالات الأوتوماتيكية، أو تلك المجهّزة بأنظمة إلكترونية حديثة»، بحسب ماهر الطويل، صاحب أحد محال الأدوات المنزلية. أيضاً ارتفع الطلب على الغسالات القديمة، المعروفة بـ«الغسالة بجرنين» خلافاً لما كان عليه الحال سابقاً حين كان الطلب يتركّز على الغسالات «فول أوتوماتيك». وبسبب الزيادة في الطلب، يقول الطويل: «قمت بشراء جزء من البضائع الموجودة في مستودعات الضاحية الجنوبية من أصحابها». وبحسب رواية عدد من التجار، قبل الحرب، هذا النوع من الغسالات لم يكن مرغوباً، وكانت القطعة المعروضة تبقى شهوراً قبل بيعها. أما اليوم، فنبيع غسالتين يومياً أقله. ويقول الطويل: «يعود تفضيل النازحين لهذا النوع من آلات الغسيل لأنّها أكثر توفيراً للمياه من الغسالات الأوتوماتيكية أولاً، وأقل سعراً ثانياً، وأكثر سعة ثالثاً». فالعائلات النازحة لا تسكن بشكل فردي في الشقق، بل يحتوي كلّ بيت على عائلتين أقله، ما يعني عدد أفراد أكبر، وكمية غسيل مضاعفة. ومن ناحية السعر، لا يزيد سعر الغسالة من هذا النوع، بسعة 8 كيلوغرامات، عن 200 دولار. في حين، يبدأ سعر الغسالة الأوتوماتيكية، من نفس السعة، بـ400 دولار.
تحاول الأسر تأمين حاجات أساسية من دون التوسع في التجهيز
وللتخفيف من المصاريف أيضاً، تفضّل العائلات النازحة عدم شراء الأفران، وتستبدلها بتجهيزات أصغر مثل «عيون الغاز». وهنا، تركز الطلب على «حرّاقات الغاز المكوّنة من عين واحدة إلى 3 أعين»، بحسب الغول، إذ يراوح سعرها من 40 إلى 90 دولاراً. في حين يبدأ سعر فرن الغاز الكامل بـ200 دولار. ولتلبية الطلب، وبسبب عدم وجود كميات كبيرة من هذه القطع في السوق اللبنانية، لجأ عدد من التجار إلى استيراد هذا النوع من التجهيز من سوريا، كما طلب عدد من التجار الكبار استيرادها من تركيا.
وأمام هذا الإقبال على البرادات والغسالات وأفران الغاز، تقلّص مبيع بقية القطع الكهربائية المنزلية إلى ما يقارب الصفر، بحسب إجماع التجّار. فالأجهزة الإلكترونية مثل التلفاز، وأدوات المطبخ الكمالية مثل الخلاطات، والمقالي الكهربائية مكدّسة على الرفوف. «فالمحرّك الرئيسي لحركة البيع هو النزوح، ولولا حاجاتهم المستجدة لما تمكّن معظم تجار الأدوات المنزلية من تسيير أعمالهم اليوم»، يختم الغول.
أدوات المطبخ ربطاً بعدد العائلة
تخلو المنازل المستأجرة حديثاً من أيّ تجهيزات تتيح للعائلات تحضير الطعام، ما خلق طلباً كبيراً على متاجر بيع أدوات المطبخ الأساسية، كالأواني والصحون وتوابعها. ونمط الشراء لدى العائلات النازحة مماثل لنمطها في شراء الحاجات الأساسية، أي إنها لا تتوسّع في تجهيز المنازل ولا تشتري سلعاً غالية الثمن. بحسب وفاء، النازحة من الضاحية الجنوبية، فإن «الأموال المتوافرة قليلة، والبيت دمّرته غارة للعدو، ولكن علينا تأمين مستلزمات تحضير الطعام للعائلة». لذا، تشتري حاجاتها الأساسية للمطبخ بتأنٍّ «وعلى العدد». مثلاً: «عائلتي مكوّنة من 5 أفراد، فاشتريت 5 صحون، والعدد نفسه من الأكواب، وطنجرتين للطهو، صغيرة وكبيرة». إلا أنّ هذه الحالة لم تكن المعتمدة في البيت الأساسي، «هناك، لا نعد، بل نشتري من دون حساب، أما الآن فأحتسب كلّ دولار، وأختار الصحون التي تباع بالكيلو لا بالقطعة»، تختم وفاء.