عندما اغتالت إسرائيل الأمين العام لحزب الله الشهيد السيّد حسن نصر الله، في 27 أيلول الفائت، خرج مراقبون ومحللون ليقولوا أنّ الحرب بين جيش العدو ومحور المقاومة قد بدأ الآن، وليس في 7 تشرين الأوّل من العام الماضي عندما شنّت حركة حماس عملية طوفان الأقصى، في إشارتهم إلى الدلالات البالغة الأهمية والخطورة لاغتيال شخص بأهمية وتأثير وحجم نصر الله.
هذه الدّلالات جعلت البعض في تحليلاتهم يذهبون في توقعاتهم إلى حدّ أنّ هذه الحرب التي بدأت للتّو ستستمر على الأرجح ما لا يقلّ عن 10 سنوات، راسمين صورة سوداء وقاتمة عن مستقبل المنطقة كلّها، وذهبوا إلى حدّ قولهم أنّ “ما نعرفه اليوم عن منطقة الشرق الأوسط لن يكون موجوداً حينها على الشّكل الذي هو عليه اليوم”.
إستندت هذه التحليلات إلى معطيات وحقائق كثيرة على الأرض، وتصاعد وتيرة التوتر في المنطقة بشكل تدريجي ولافت منذ عملية طوفان الأقصى، إذ كانت الأوضاع تذهب نحو التأزّم والتصعيد بشكل تصاعدي، وسط تراجع في الحركة الديبلوماسية ومساعي وقف الحرب العدوانية، وهي حركة وُصفت بالخجولة أو حتى المتواطئة، وصولاً إلى حدود توقّفها بشكل شبه كلّي، بانتظار ما سيسفر عنه الميدان من نتائج سيبنى عليها أيّ تصورات وخطط ومشاريع لمستقبل المنطقة والصراع فيها.
على الأرض كان العدو الإسرائيلي يُمارس سياسة القتل والتدمير والحصار والتجويع والتهجير بشكل منهجي، وسط مقاومة شرسة لم يعرفها في تاريخه منذ نشأته، ما جعل أيّ مسعى أو اقتراح للتسوية وإنهاء العدوان غير ذات جدوى ولا تلقى قبولاً من العدو الذي وضع شروطاً عالية لإيقاف عدوانه لم يحقق أيّاً منها، وكان يعتبر أنّ إيقاف هذا العدوان قبل تحقيق أهدافه هزيمة له.
شيئاً فشيئاً كان العدو الإسرائيلي يذهب بعيداً في عدوانه، فعمد على نحو ممنهج إلى استهداف المدنيين والبنى التحتية والمستشفيات والمدارس وغيرها، قبل أن يعمد لاتباع سياسة إغتيال كوادر وقادة حركات المقاومة، التي كان أبرزها إغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية في 31 تمّوز الماضي، واغتيال الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في 27 أيلول الماضي، ما جعل التصعيد بنظر كثيرين يذهب في اتجاه اللاعودة.
ما سبق يعني أنّ المنطقة تتجه في المرحلة المقبلة من تصعيد إلى تصعيد، في ظل جمود المساعي الديبلوماسية وخطابات التصعيد، ذلك أنّ العدو الإسرائيلي يستغل الدعم اللامحدود الذي يتلقاه من الولايات المتحدة، عسكرياً ولوجستياً ومخابراتياً، ومثله من دول أوروبية وجهات عربية، للإستمرار في عدوانه وتماديه فيه، وارتكابه المجازر تلو المجازر، وسط إستشراس المقاومة بوجهه في فلسطين المحتلة ولبنان، ما يترك إنطباعاً لا يقبل الشّكّ أنّ الحرب لن تضع أوزارها قريباً، وبالتالي لن تتبلور نتائجها في المستقبل المنظور إلا في ضوء ما يتحقق في الميدان، وأنّ مرحلة طويلة وشاقة وصعبة تنتظر لبنان والمنطقة في المرحلة والسّنوات المقبلة.
موقع سفير الشمال الإلكتروني