لم يكن متوقعاً أن يخرج لقاء معراب بأكثر مما خرج به. تأكيد على انتخاب رئيس يتولى تنفيذ القرارات الدولية 1559 و1701. الخلل في الحضور أفقده ميثاقيته. غاب المكونان الشيعي والدرزي، واقتصر حضور المكون السنّي على النائب أِشرف ريفي. لقاء، لم تمنحه المعارضة بأحزابها ومكوناتها، للعام الثاني، الشرعية المفترضة، رغم أن ما تضمنه البيان الختامي، الذي تلاه رئيس القوات، سمير جعجع، لا يتعارض وتوجهاتها. ذاك الخطاب لم يتضمن جديداً، ولم يحاكِ الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان. بقي خطاب النقد والانتقاد والبحث عن خريطة طريق. مشكلة المعارضة هي ذاتها رغم كل الظروف. مشكلة في الشكل، تتغلب على المضمون وتعيقه.
خاطب جعجع المجتمع الدولي مركزاً على مرحلة ما بعد الحرب، من ناحية نزع سلاح حزب الله، وتطبيق القرارات الدولية. لم يخاطب حزب الله بالمباشر، لكنه حمله ضمناً مسؤولية النازحين، والحروب المستمرة بسبب تفلت السلاح، محيداً إسرائيل إلا من فقرة ختامية.طائفة بين خطابينعلى المقلب الآخر، خرج رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بخطاب يحاكي ذكرى الثالث عشر من تشرين 1990. هو أيضاً أبقى على ثوابته من رفضه لوحدة الساحات، وكرر كلاماً لا يعتبره حزب الله ملائماً مع صعوبة المرحلة، وواقعه في الميدان، ولكنه استدرك بمحاكاة المعطيات الميدانية. قال ما لم يقله رئيس القوات في محاكاة الجبهة ضد إسرائيل، واعتداءاتها، وفي مقاربة مسألتي رئاسة الجمهورية والقرارات الدولية، ولكن ليس من باب الدعوة للمحاسبة.
السبت الفائت، توزع المشهد السياسي المسيحي بين رجلين وموقفين وخطين:
جعجع الذي يتضامن إنسانياً مع الشيعة المهجرين، ويحمّل حزب الله مسؤولية ما أصابهم، ويرسم خريطة الحل برئيس جمهورية يطبق القرار 1559 ويأمر الجيش بنزع سلاح حزب الله. وباسيل الذي يعتبر ما يجري في الجنوب معركة حرية وسيادة واستقلال، ويعلن أنه جزء من مواجهة اسرائيل في حال قررت احتلال الأرض، ويؤكد ثقته بالمقاومة وإن اختلف معها على وحدة الساحات، وينتقد موقف إيران، الذي أظهر أنها لا تعتبر لبنان جزءًا من أمنها.
جعجع الذي يواصل لغة التحدي، ويريد رئيساً مهتماً بتنفيذ القرارات الدولية، ويهاجم الهيمنة والسلاح، وباسيل الذي يساوي بين شهداء التيار وشهداء حزب الله في الدفاع عن الأرض والسيادة. الرئيس الذي يريده باسيل هو الذي يستعيد الدولة ويمنع الاستقواء على أي فريق داخلي فيها، ويرفض عزل أي مكون ويجمع اللبنانيين حول المقاومة لأي احتلال للأرض أو للقرار أو للاقتصاد، ويقود عملية إصلاح شاملة.البيئة الشيعيةوقف باسيل متضامناً، وطنياً وإنسانياً وسياسياً مع الشيعة وبيئة المقاومة، رغم خلافه مع المقاومة حول خيار وحدة الساحات، وعتبه على إيران التي لا تهتم للبنان بل لمصالحها. صارح الشيعة بكلفة حرب الإسناد، وأبدى الحزن العميق على استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وعلى فقدان معادلة الردع. حذر من مشروع إسرائيل، وسلط الضوء على خطر تهجير الشيعة، داخل لبنان وربما خارجه، واعتبر ذلك ضرباً لوجود لبنان، وغمز من قناة المنتظرين على رصيف التاريخ، وقال لن نسمح لكم بجر المسيحيين إلى مغامرات جديدة. قال باسيل للبيئة الشيعية، أنا معكم ولم أتغير، هذه قناعتي ومهما اختلفنا ستجدونني في مقدمة المدافعين عنكم. يحتم خطاب باسيل على القيادة الشيعية، وفق مصادر سياسية مسيحية، أن تقرأه بصورة معمقة وتقدر الظرف الذي قيل فيه هذا الخطاب، وما يمثله من احتضان حقيقي باللحظة الصعبة على المقاومة وبيئتها. فهل سيترجم ذلك بعودة الحرارة إلى العلاقات والتنسيق في موضوع رئاسة الجمهورية، وإعادة بناء الدولة. قد يكون من المبكر معرفة الجواب الشيعي، ولكن باسيل وضع مدماكاً لعلاقة متجددة تشمل الشيعة جميعاً وليس الحزب فقط، ولسان حاله يقول في غياب السيد أذهب إلى الاتفاق مع كل الشيعة. فكيف سيتصرف رئيس مجلس النواب نبيه برّي؟ ليس معلوماً ما الذي ستحمله المرحلة المقبلة في علاقة الثنائي الشيعي مع المسيحيين. هي مرحلة خلط أوراق وإعادة حسابات. تتوقف أيضاَ على نتائج الميدان والحرب الإسرائيلية مع لبنان، وستكون الرئاسة مؤشرها الأولى.