رضخ وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عبّاس الحلبي لضغوطات مارستها بعض المدارس والجامعات الخاصة، وأصدر يوم أمس قراراً وصفه بأنّه لـ”لإنقاذ العام الدراسي” الجاري من الضياع، فسمح لمن يوجد منها في ما أسماه “المناطق الآمنة” أن يفتحوا أبوابهم للتعليم حضورياً أمام الطلاب، إبتداءً من اليوم، في حين أجّل إفتتاح العام الدراسي في المدارس الرسمية إلى 4 تشرين الثاني المقبل، وهو قرار لقي فور صدوره إنتقادات واسعة النطاق، لأنّه أظهر وزارة التربية، وكأنّها قد تخلّت عن دورها ومسؤوليتها تجاه مواطنيها في واحد من أحلك الظروف وأصعبها.
خلفيات قرار وزير التربية بالسّماح للمدارس الخاصّة إفتتاح عامها الدراسي اليوم، بعد تأجيل سابق، ورفضها تمديد هذا التأجيل، نبع من حجج واهية ساقتها إدارات المدارس الخاصة، منها حرصها المزعوم على عدم ضياع العام الدراسي على الطلاب، وعلى مستقبل التعليم في لبنان، وعدم وضوح المدى الزمني الذي سوف تستغرقه الحرب العدوانية التي تشنّها إسرائيل، مصرّة على التعليم حضورياً، مستبعدة “التعليم عن بُعد” الذي أثبت عدم نجاعته كما حصل سابقاً.
لكنّ تشبث بعض المدارس الخاصّة بقرارها فتح أبوابها اليوم كانت له أسباب أخرى، من غير أن تطرح أيّ خطة طوارىء بديلة منطقية وواقعية، يأتي على رأسها حرص إدارات هذه المدارس على مصالحها المالية لجهة تحصيل ما أمكن من الأقساط المدرسية من أهالي الطلاب لديها، وحفاظها على مواردها المالية بأيّ طريقة، ورفضها التفريط بها، وهي أقساط رفعتها أضعافاً مقارنة بالعام الماضي، من غير أن تراعي الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي يعيشها أغلب اللبنانيين، ما جعل حرصها على مستقبل الطلاب من غير أن تراعي أوضاع أهاليهم لا يبدو منطقياً وفي غير مكانه.
إضافة إلى ذلك، فقد نبع تمسّك أغلب المدارس الخاصّة بإعادة فتح أبوابها اليوم من أمرين: الأول خشيتها المزعومة من أنّ بعض أهالي الطلاب من الاغنياء قد يضطرون لمغادرة لبنان إلى الخارج حرصاً على متابعة أبنائهم تحصيلهم العلمي؛ والثاني إحتجاج أساتذة هذه المدارس الخاصّة في حال إضطرت الإدارة إلى عدم دفع رواتبهم كاملة، ما سيدفع هؤلاء الأساتذة الذين ستخسرهم مدارسهم إمّا إلى ترك التعليم أو الهجرة.
غير أنّ هذه المدارس الخاصّة إنطلقت في قرارها من أنانية مفرطة، ومصالح خاصّة بها، لأنّها تجاهلت مصير 40 في المئة من طلاب لبنان على أقل تقدير، 1.25 مليون طالب وفق تأكيد المدير العام لوزارة التربية عماد الأشقر أمس، تركوا مدارسهم وليسوا قادرين على متابعة التعليم، وسط تساؤلات عن طلاب المدارس الرسمية الذين سيبقون خارج صفوفهم شهراً إضافياً مقارنة بطلاب المدارس الخاصة، فهل هناك طلاب بسمنة وآخرين بزيت أو درجة ثانية، وما مصير المدارس الخاصة في المناطق التي تتعرض لعدوان إسرائيلي في الجنوب البقاع وبيروت والضاحية الجنوبية، ومن يتحمّل مسؤولية أيّ مدرسة أو باص يتعرّض لاعتداء إسرائيلي لا سمح الله، وكيف يمكن لطلاب وأساتذة التوجه لمدارسهم وسط هكذا لأجواء متوترة ومقلقة، وهل يمكن تفسير قرارات عدد من المدارس الخاصة طلبها من الأهالي توقيع كتب يتحملون بموجبها مسؤولية أولادهم المتوجهين للمدارس، برغم أنّ قرار وزير التربية أمس ألقى بهذه المسؤولية على المدارس، سوى أنها تهرّب من المسؤولية ووقاحة ما بعدها وقاحة؟
موقع سفير الشمال الإلكتروني