غاب الصخب المعتاد في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتجمعاتهم في منطقة صور. لم يعد أبناؤها يتزاحمون على ركن سياراتهم، أو يملؤون الشوارع والأزقة ومحال التسوق وعيادات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الإنروا".
لم تعتد هذه المخيمات (الرشيدية، البرج الشمالي، البص) على هذا النوع من الهدوء ومغادرة غالبية سكانها، بيوتها المتلاصقة، التي لا تدخل الكثير منها الشمس والنسيم العليل. فهذه هي المرة الأولى منذ العام 1982، التي ينزح فيها عشرات الألوف من هذه المخيمات والتجمعات الساحلية، إلى خارج المنطقة، وتحديداً إلى صيدا ومناطق إقليم الخروب وسواهما.
في غالبية الحروب الإسرائيلية على الجنوب( 1993، 1996، 2006) كان كثيرون من أهالي البلدات والقرى المجاورة والمتداخلة مع المخيمات المذكورة، ينزحون إلى بيوت ومدارس جيرانهم، وخصوصاً في عدوان تموز 2006، حيث إمتلأ مخيم الرشيدية، أكبر مخيمات المنطقة " 25 ألف نسمة" بعدد كبير من العائلات اللبنانية، وكان حينها "فرن" مخيم الرشيدية يؤمن الخبز إلى محيطه. أما في هذه الحرب فقد رافق العدد الأكبر من أهالي المخيمات جيرانهم اللبنانين، في رحلة النزوح، خصوصاً بعد إغتيال قائد حركة حماس في لبنان المربي فتح شريف وعائلته وشمول مخيم الرشيدية بالتحذيرات الإسرائيلية.
وضّب م. فندي على عجل ما تيسر من ألبسة وحاجيات وغادر مع عائلته مخيم الرشيدية، بإتجاه منطقة وادي الزينة، شمال مدينة صيدا، على إثر سماع التحذيرات الإسرائيلية لهذا المخيم.
ويؤكد فندي، لم نشعر في عدوان تموز بهذا الحجم من الرعب والخوف، الذي يتملكنا نتيجة الغارات الإسرائيلية وجدارات الصوت المتكررة، التي تهز بيوتنا المتواضعة والمتهالكة.
وقال لـ"المدن" إننا في عدوان تموز 2006، لم نترك المخيم وبقيت فيه الحياة شبه عادية، وقد حلت عائلات كثيرة من خارج المخيم في بيوتنا. مضيفاً أن الوضع حالياً لا يحتمل، خصوصاً بعد إستهداف مخيمي البص وعين الحلوة.
بقي إبراهيم أبو الذهب، عضو اللجنة الشعبية في المخيم، لتأمين حاجيات المسنين والأشخاص الذين يحتاجون أدوية مزمنة، وإستمر في فتح أبواب مركز سنابل لرعاية المسنين، الذي يرتاده العشرات لتناول وجبات الطعام، التي توزع في نفس الوقت لعائلات متعففة.
وأضاف أبو الذهب، الذي يدير مركز سنابل لـ "المدن" أن نسبة النزوح من المخيم، كانت كبيرة، ولم يحدث مثيلاً لها منذ الإجتياح الإسرائيلي في العام 1982، مشيراً إلى أنه نظراً لتدهور الاوضاع الحالية ونزوح بعض عائلات فريق العمل في المركز، والمستهدفين من المسنين والمسنات والعائلات المتعففة، تم تعليق العمل في المركز ريثما يعود الآمن والآمان للجميع.البرج الشمالي:غياب الأترواعلى مقربة من مخيم الرشيدية، جنوب صور، يوجد مخيم البرج الشمالي للاجئين، الذي يعد أكثر المخيمات إكتظاظاً. يؤكد محمد إبراهيم أن الغارات تطوق مخيم البرج الشمالي، الذي يتبع إدارياً إلى بلدة البرج الشمالي،مؤكداً بأن الخوف والقلق والرعب، كانت سمة الأيام السابقة والمستمرة.
وقال إبراهيم، بعد إستهداف محيط المخيم، وسماع دوي الإنفحارات الضخمة، قررت منذ يومين فقط، ترك المخيم برفقة أولادي، متوجهاً إلى صيدا، حيث تم تأمين منزل متواضع يأوينا، إلى حين وقف العدوان الإسرائيلي الذي يرتكب الجرائم في حق الشعبين اللبناني والفلسطيني.
ويشير محمد رشيد "أبو رشيد" مسؤول اللجنة الشعبية في مخيم البرج الشمالي إلى أن أعداداً كبيرة من العائلات نزحت عن المخيم، مؤكداً بأن اللجنة الشعبية، تتابع أوضاع الصامدين.واستغرب رشيد إقفال عيادة الإنروا لليوم السابع، ضاربة بعرض الحائط كل المناشدات اليوميه المطالبه بفتحها واعطاء الدواء للحالات المزمنة و للمرضى.وسأل رشيد أين لجنة الطوارىء بالانروا، مؤكداً أن غيابها عن مخيمنا أمر غير مقبول.البص: نزوح بعد الاستهدافتعرض مخيم البص المحاذي لمدينة صور قي الثلاثين من الشهر الماضي لعدوان إسرائيلي بالطائرات المسيرة مستهدفاً قائد حركة حماس في لبنان فتح شريف "أبو الأمين" الذي إستشهد مع زوجته وولديه. إثر ذلك، بدأت أعداد لا يستهان بها من أبناء المخيم في مغادرته تباعاً حتى باتت غألبية الأهالي خارج بيوتهم ومنازلهم.ويلفت أحد سكان المخيم أبو أحمد طه، انه كغيره من الآلاف، ترك منزله متوجها نحو مدينة صيدا برفقة ولديه.وأشار لـ"المدن" إلى أن الخوف الحقيقي سيطر على أبناء المخيم، لا سيما بعد إستشهاد المربي فتح شريف وعائلته، وإستهداف القيادي في كتائب شهداء الأقصى اللواء منير المقدح، في مخيم عين الحلوة، وإستشهاد نجله وأشخاص آخرين.وأشار طه إلى أن النزوح، قد جاء مترافقاً مع الإعتداءات الإسرائيلية التي لم توفر مكاناً آمناً، مضيفاً هذه المرة الوحيدة التي أنزح فيها عن المخيم منذ 1982، وهو تاريخ الإجتياح للعدو الإسرائيلي، الذي ارتكب مجزرة كبيرة في مخيم البرج الشمالي.
75 ألف فلسطيني ووفقا لإحصاءات وكالة الأونروا يعيش في منطقة صور حوالي 75 ألف لاجئ فلسطيني موزعين على مخيمات وتجمعات (مخيم الرشيدية، مخيم البص، ومخيم البرج الشمالي). ويقع مخيم الرشيدية جنوب مدينة صور، ويضم أكثر من 27 ألف لاجئ، بينما يقع مخيم برج الشمالي شرق صور ويؤوي أكثر من 26 ألف لاجئ. إلى جانبه، يتواجد مخيم البص في الجهة الشرقية من صور أيضًا، ويأوي أكثر من 9500 لاجئ. أما تجمع القاسمية، فيبلغ عدد سكانه حوالي 4500 نسمة وفقًا لتعداد اللجنة الشعبية، وتجمع المعشوق، الذي يقع على بعد 3 كلم شرق صور بين مخيمي البص وبرج الشمالي، يضم حوالي 3000 لاجئ فلسطينيين إضافة إلى تجمعات أخرى تقع في المنطقة الساحلية الممتدة بين صيدا وصور.