حتى عصر يوم أمس، الأحد، كان عدد المواطنين الجنوبيين والبقاعيين والبيارتة القادمين من مناطقهم إلى الضنية بسبب العدوان الإسرائيلي على تلك المناطق، قد بلغ وفق معلومات رسمية أكثر من خمسة آلاف شخصا، كان لافتاً أنّ قرابة 90 في المئة منهم أقاموا في بيوت ومنازل إستأجروها أو استضافهم فيها أصحابها، وهم الغالبية، بينما توجّه من تبقى نحو مراكز الإيواء من مدارس وثانويات ومعاهد رسمية كان جرى فتحها، بعد تعذّر إيجاد بيوت أمام المزيد من الوافدين للمنطقة بعدما امتلأت بالكامل تقريباً.
هذه الصورة الإيجابية عن الضنّية تُرجمت في اعتبار القادمين إليها وافدين وضيوفاً وليسوا نازحين، وهو وصف يُشدّد النائب جهاد الصمد عليه، وفي الإصرار على إقامتهم في المنازل حرصاً على كرامتهم وحفظ خصوصياتهم وكون مراكز الأيواء غير مؤهّلة للسكن، إنطلاقاً من إرث تاريخي مشهود للمنطقة منذ أيّام الحرب الأهلية في العام 1975 ـ 1990 وحتى اليوم، خصوصاً خلال الإجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 وفي الحروب التالية التي كان أبرزها العدوان الإسرائيلي على لبنان في تمّوز من العام 2006، في إكرام الضيف وإغاثة الملهوف، وهو إرث تاريخي ما يزال يحافظ عليه الآباء والأحفاد نقلاً عن الأجداد.
بلغة الأرقام يمكن التأكيد على هذه الصورة الإيجابية. إذ وفق الأرقام الرسمية بلغ عدد الوافدين إلى المنطقة، حتى عصر يوم أمس، 5070 وافداً، 4500 وافداً منهم يقيمون في بيوت (89 %) والبقية (11 %) تقيم في مراكز إيواء رسمية، بلغت 10 مراكز، وهي مراكز لم تكن لتُفتح لو أنّه بقيت هناك بيوتاً شاغرة لاستيعاب الوافدين فيها.
قد يكون إمتهان قسم كبير من أبناء المنطقة التجارة، بكلّ فروعها، وإقامتهم علاقات مع مواطنين من مختلف المناطق اللبنانية، ومن مختلف الطوائف، سبباً في توجّه قسم من هؤلاء الوافدين إليهم، أو اتصال أبناء المنطقة مع هؤلاء الأصدقاء المقيمين في المناطق التي تتعرّض لاعتداءات إسرائيلية ودعوتهم للمجيء إلى المنطقة واستقبالهم في بيوتهم، أو تأمين بيوتاً لهم، إضافة إلى نخوة أبناء المنطقة وإقدامهم على فتح بيوتهم لعائلات وأشخاص لا يعرفونهم وتشاركوا معهم لقمة الخبز، برغم ان اغلبهم من متوسطي الحال ماديا، وهو ما تُرجم في أنّ مواطناً من بلدة بخعون هو الحاج محمد مصطفى الصمد قد قام بفتح أبواب فندقه المغلق (فندق جنة لبنان) الذي يتسع لأربعين غرفة أمام الوافدين للإقامة فيه وتأمين ما يلزم من إحتياجات لهم ضمن الإمكانات المتاحة.
ما قام به أبناء الضنية في هذا المجال، وهو بالتأكيد ما يقوم الكثير من أبناء مناطق لبنانية أخرى إستقبلوا وافدين قدموا إليهم طلباً للأمان، يُعبّر بوضوح عن مشهدٍ راقٍ في الوحدة الوطنية والإنسانية يُسهم بلا شكّ في تخفيف معاناة الوافدين، وفي بلسمة جراح الوطن النازفة.
موقع سفير الشمال الإلكتروني