كتبت أسماء إسماعيل في “الأخبار”
بين ليلة وضحاها استعاد شارع الحمرا حيويته المعهودة. لكن هذه المرة ليس بفعل مبادرات لتنشيط الحياة التجارية في الشارع، بل هو انتعاش طارئ جاء كردّ فعل طبيعي على احتياجات مئات العائلات النازحة من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت. هذا الوضع الطارئ في العاصمة وفي مناطق أخرى في جبل لبنان، خلق طلباً واسعاً في قطاع الخدمات ولا سيما المطاعم والمقاهي، والمواد الأساسية، وهو وضع أدّى إلى تحولات سريعة في حركة المدينة. المطاعم والمقاهي والمؤسسات التي تبيع موادَّ غذائية وملابس وسواها، لم تعد وجهات ترفيهية بمقدار، بل انخرطت في استيعاب الأزمة والمبادرات لدعم النازحين إلى جانب الاستغلال التجاري السائد.
يشير مدير مطعم «ة مربوطة» في شارع الحمرا، عبدالله حلواني، إلى أن المطعم لم يسجّل ارتفاعاً كبيراً في عدد الزبائن من السكان «الجدد»، عازياً ذلك إلى موقع المطعم البعيد نسبياً عن الشارع الرئيسي، وإلى طبيعة أصناف المأكولات الشرقية التي يقدّمها. لكن حلواني لاحظ أن بين زبائنه عدداً قليلاً من العائلات الجديدة وإن كانت فواتيرهم لا تمثّل فارقاً كبيراً في حجم المبيعات الإجمالي. فالطلب الإضافي لم يضطره إلى استقدام موظفين جدد بعد مغادرة موظفتين اثنتين بفعل النزوح للاستعاضة عن النقص في توزيع المهام، علماً أنه أطلق مبادرة تجاه النازحين، وفتح مطبخه ووضع الطاقم في خدمة الجمعيات المحليّة والمؤسّسات غير الحكومية الراغبة في تحضير وجبات للنازحين، وهو يرغب في توسيع نطاق الأمر للمشاركة في المساعدة بأكثر من المطبخ والعمال.
في المقابل، يبدو أن مطاعم الوجبات السريعة، مثل «سندويش ونص» الذي يقع على بعد أمتار من الأول، تشهد حالة من الانتعاش غير المسبوق. بحسب المسؤولة عن المطعم، فإن عدد زبائن «سندويش ونص» ازداد بين 50% و60% منذ بدء النزوح، إذ إنه في ظل عدم قدرة النازحين على صناعة الوجبات المنزلية، صار الاعتماد أكبر على الوجبات السريعة. وتشرح المسؤولة عن المطعم هذا الأمر، بالإشارة إلى أن معظم الزبائن الجدد هم من العائلات التي لجأت إلى المنطقة وتبحث عن بدائل سريعة للطعام بعيداً من التعقيدات المرتبطة بتحضير الوجبات في ظل افتقار البعض منهم لأماكن سكن مستقرة أو تجهيزات للطهو. وإزاء هذا التدفق الكبير، ربما تلجأ إدارة المطعم إلى توظيف مزيد من العاملين لمواكبة الطلب المتزايد. وتقول المسؤولة إن الأسعار على حالها لم تتغير، مشدّدة على أن المطعم سيحاول الحفاظ على استقرار الأسعار في هذه المرحلة الحسّاسة إذا عمد مورّدو البضائع إلى رفع أسعارهم أو زادت كلفة الخدمات.
وفي منطقة زقاق البلاط، المعروفة بأجوائها الشعبية والكثافة السكانية العالية، شهدت مطاعم المنطقة، وخصوصاً تلك المتخصّصة بالوجبات السريعة، إقبالاً غير مسبوق. في مطعم «حمودي» للوجبات السريعة، يصطف الزبائن أكثر من العادة، للحصول على وجباتهم، وهي مشاهد تعكس حجم الضغط الذي تعيشه المنطقة. ويقول صاحب المطعم، محمد حمودي، إن الإقبال تضاعف بشكل تلقائي، لأن المنطقة تضمّ ثلاث مدارس على الأقل فتحت أبوابها لاستقبال النازحين، ما خلق طلباً متزايداً على الساندويشات والوجبات السريعة. ويضيف حمودي أنه يسعى جاهداً لتقديم الدعم للنازحين من خلال خفوضات تراوح بين 30% و40% على وجباتهم. كما أن العديد من النازحين، الذين يتم التعرف إليهم بسهولة لكونهم ليسوا من الزبائن المعتادين، يحصلون على خصومات إضافية، سواء أكانوا عائلات أم شباباً. إلا أن حمودي لا يخفي قلقه بشأن ارتفاع الأسعار المحتمل إذا استمرت الحرب لفترة طويلة. فقد شهدت أسعار بعض المواد الأساسية، مثل البطاطا والمايونيز، ارتفاعاً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة، وهو ما يزيد من مخاوفه إذا استمر العدوان لأكثر من عشرة أيام. ويشير إلى تجربته السابقة مع عدوان تموز 2006 التي أدّت إلى نقص حادّ في المواد الغذائية وارتفاع كبير في الأسعار، ما يثير القلق بشأن تكرار هذه الأزمة.
أسعار بعض المواد الأساسية للمطاعم والمقاهي مثل البطاطا والمايونيز سجّلت ارتفاعاً ملحوظاً
الحركة المُسجّلة في مطاعم الوجبات السريعة والسناك، ليست هي نفسها المُسجّلة في المقاهي، إذ إن هناك تفاوتاً بين المقاهي في الطلب المسجّل، وذلك يعود إلى القدرات المادية للنازحين. بعضهم يزور هذه المقاهي لتمضية الوقت وتنفيس الهموم التي خلقتها الحرب والنزوح، بينما لا يُسجّل في بعض المناطق حركة لافتة في هذا المجال. مقاهي الحمرا تضجّ ليلاً بالزبائن بعدد أكثر من المعتاد. كل ليلة هناك تكاد تشبه ليلة السبت حين لا يكون هناك طاولات غير مشغولة. بينما في مناطق أخرى يحصل العكس تماماً. فعلى سبيل المثال، يقول أحد المسؤولين في مقهى «تايستي بيز» في منطقة بشارة الخوري، إن حركة العمل كانت ضعيفة بالأساس منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، ولم تشهد تحسناً يُذكر رغم ما يشاع عن إقبال كثيف على المقاهي في الأيام الماضية بفعل النزوح. فالعائلات النازحة، برأيه، ما زالت في حالة من عدم الاستقرار وهي تحتاج إلى مأوى دائم لم تحصل عليه، وبالتالي لا تملك الرفاهية للخروج إلى المقاهي وتناول العصائر والحلويات. كما أن كلّ ما يشهده المقهى، هو بضعة شباب يبحثون عن متنفّس بعيد عن ضغوط النزوح والمأوى، أو بعض العائلات التي تطلب عبوات عصير لأطفالها في المدارس التي أصبحت أماكن سكنها.
إن النزوح الجماعي الذي شهدته بيروت في الأيام الأخيرة لم يؤثّر فقط على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمدينة، بل فرض واقعاً جديداً على قطاع المطاعم والمقاهي، بحسب نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان خالد نزهة، مشيراً إلى أن الأزمة بدأت مع توجيه سفارات بعض الدول تحذيرات إلى رعاياها بشأن الأوضاع في لبنان، بالإضافة إلى إلغاء العديد من شركات الطيران رحلاتها من وإلى بيروت. واليوم، يواجه القطاع تحديات تتعلق بعدم قدرته على الاستمرار إذا طال أمد العدوان، وفق نزهة، وذلك في ظل ارتفاع أكلاف الطاقة والخدمات.