هو التدحرج بسرعة فائقة نحو حرب كبرى بما تحمله من كوارث وأهوال، تدفع إليها إسرائيل بإجرام غير مسبوق كسرت فيه كلّ القواعد. تجلّى بالأمس عدوان رهيب شنّته على الضاحية الجنوبية، بغارات جوية عنيفة قالت اسرائيل إنّها استهدفت المقر الرئيس لـ”حزب الله” تحت أماكن سكنية. لم يتأكّد حتى ساعة من فجر اليوم ما اذا كان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله موجوداً في المكان المستهدف ام لا.
هذا العدوان يشكّل انتقالاً الى مستوى آخر من الحرب، تتفق التقديرات على أنّ احداً لا يمكن أن يتنبأ بمداها ورقعتها الجغرافية. ليس لحجم هذا الهجوم وعنفه ومكانه فحسب، بل للجهة المستهدفة، حيث انّ اخطر ما في هذا الهجوم هو إعلان إسرائيل انّ الهدف الرئيسي هو اغتيال السيد نصرالله، واشارت القناة 12 الاسرائيلية بأنّه تمّ التخطيط منذ مدة طويلة لاغتيال نصرالله، واليوم وصلت المعلومة الذهبية واستُهدف المقر».
العدوان
التسارع الرهيب نحو انهيار الوضع الى مستويات كارثية، بدأ نهاراً بغارات جوية عنيفة على مختلف قوى وبلدات الجنوب والبقاع، وصولاً إلى الهرمل، وكذلك إلى بلدة بعذران في الشوف بغارة من طائرة مسيّرة، وبلغت ذروة في العنف في ساعات المساء الاولى، بسلسلة غارات جوية عنيفة جدّاً على الضاحية الجنوبية استهدفت مجموعة من المباني في منطقة شعبيّة مكتظة بالسكان في طلعة العاملية ما بين برج البراجنة وحارة حريك، وخلّفت دماراً هائلاً يفوق الوصف في المباني السكنية، حيث أفيد عن 6 بنايات سوّيت بالأرض، وأدّت الى سقوط عدد كبير جداً من الشهداء والجرحى من الصعب إحصاؤهم. (ذكرت صحيفة هآرتس الاسرائيلية ان 300 شخص قتلوا في الهجوم بحسب احصاءات اسرائيلية). وتبعت ذلك سلسلة غارات عنيفة شنّها الطيران الحربي الاسرائيلي بعد منتصف ليل امس، على الضاحية الجنوبية استهدفت عدداً من المباني السكنية ولاسيما في أحياء الليلكي، سانت تيريز – الحدث والكفاءات والشويفات وتسببت بدمار كبير. وكذلك غارات مماثلة على مختلف مناطق الجنوب ولاسيما مدينة صور.
وقالت اسرائيل انّ العدوان ما بين برج البراجنة وحارة حريك «استهدف مقرّ القيادة المركزيّة لـ«حزب الله» يقع تحت مبانٍ سكنيّة، وانّ طائرات حربيّة من نوع «F35» نفّذت الهجوم بصواريخ طراز «MK84» خارقة للتحصينات زنةّ الصّاروخ 2000 رطل (1 طن)». واتبعت ذلك بتوجيهات الى الجبهة الداخلية بفتح الملاجىء في حيفا وتل ابيب وكل انحاء اسرائيل واستنفار كل دفاعاتها الجوية والاسعاف، تحسباً لردّ متوقع من «حزب الله» ومحتمل من ايران، على ما ذكرت هيئة البث الاسرائيلية. وتلا ذلك اجتماع عاجل للقيادة الامنية الاسرائيلية لبحث نتائج قصف الضاحية والاستعداد للمراحل القادمة.
وأعلنت العلاقات الاعلامية لـ« حزب الله» في بيان فجراً «ان لا صحة لادعاءات العدو الكاذبة عن وجود أسلحة في المباني التي استهدفها العدو في الضاحية».
واشنطن تنفي
وفيما نقلت «القناة 13 الاسرائيلية» عن مسؤول اسرائيلي رفيع قوله «إنّ اسرائيل أبلغت واشنطن بالهجوم قبل وقت قصير من تنفيذه»، قال مسؤول اميركي لشبكة «اي بي سي» انّ اسرائيل ابلغت واشنطن قبل اقل من ساعة من الضربة بأنّها ستستهدف نصرالله. الّا أنّ الرئيس الاميركي جو بايدن اعلن انّ واشنطن لم تكن على علم بهجوم بيروت ولم تشارك فيه. كذلك نفى البنتاغون اي دور لواشنطن في هذا الهجوم، أو أن تكون واشنطن قد أُخطرت بذلك. مشيراً الى انّ الهجوم حصل بينما كان وزير الدفاع الاميركي لويد اوستن يتحدّث هاتفياً مع وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت.
ترويج وغموض
وأعقب الهجوم ترويج اسرائيلي عسكري واعلامي، اثار غباراً حول مصير السيد نصرالله، بالقول تارةً انّه نجا من الاغتيال، وتارةً اخرى بأنّه اصيب وتارةً ثالثة بالقول انّه كان في المكان المستهدف واحتمالات نجاته ضئيلة او منعدمة. وضمن هذا السياق، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو رداً على سؤال عمّا اذا كانت عملية الاغتيال قد نجحت: «انتظروا».
في المقابل، وفي موازاة تأخّر صدور بيان أو تعليق عن «حزب الله» حول الهجوم ونتائجه، لفّ المشهد غموض رهيب، أثير في موازاته جو معاكس يفيد بأنّ نصرالله في مكان آمن، وما تتداوله وسائل الإعلام الاسرائيلية غير صحيح، فيما أشيعت اخبار اخرى بأنّ السيد نصرالله لم يكن في المكان، بل في زيارة سريعة في بيروت. ونقلت وكالة «آ ف ب» ووكالة «رويترز» عن مصدر قريب من الحزب أنّ السيّد نصرالله على قيد الحياة. فيما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين انّه لم يتضح ما إذا كان نصرالله موجوداً في المبنى لحظة الهجوم.
وفيما بدا أنّ الجبهة الجنوبية دخلت بعد الهجوم الاسرائيلي أمس، في وضع ما فوق الغليان، مع تقديرات باقترابها من لحظة اشتعال كبير جداً، فصواريخ «حزب الله» تواصلت ليلاً بدفعات متتالية على مستوطنات الجليل الأعلى وصولاً إلى صفد وساعر ونهاريا، «اسناداً للمقاومة الفلسطينية ودفاعاً عن لبنان ورداً على الاستباحة الهمجيّة للمدنيين وفق ما جاء في بيان لـ»حزب الله». فيما تحدثت وسائل اعلام اسرائيلية عن هجوم صاروخي واسع ومكثف على الجليل.
نتنياهو يعلن الحرب
أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الجمعة، أنّ إسرائيل ستواصل عملياتها العسكرية ضدّ «حزب الله» في لبنان. كما حذّر إيران من أنّ بلاده ستقصفها إذا تعرّضت للقصف أولاً، وقال إنّ بإمكان بلاده الوصول إلى أي جزء من أراضي الجمهورية الإسلامية.
وشدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي على أنّ قوات بلاده ستقاتل حتى «النصر الكامل»، داعياً «حماس» إلى مغادرة السلطة. وأكّد نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أنّ العمليات العسكرية ضدّ «حزب الله» ستتواصل. وأضاف: «طالما أنّ «حزب الله» يختار مسار الحرب، فلا خيار أمام إسرائيل، ولدى إسرائيل كل حق في إزالة هذا التهديد وإعادة مواطنينا إلى ديارهم بأمان»، مضيفاً أنّ العمليات ضدّ الحزب «ستتواصل إلى أن نحقق أهدافنا».
وشدّد نتنياهو على «حماس» أن تغادر السلطة وألّا يكون لها أي دور في إعادة إعمار غزّة، متعهّداً مواصلة القتال حتى تحقيق «النصر الكامل».
وقال أمام الديبلوماسيين المجتمعين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك: «إذا بقيت «حماس» في السلطة فستعيد تجميع صفوفها.. وتهاجم إسرائيل مرّة تلو الأخرى.. لذا على «حماس» أن تغادر». وحذّر إيران من أنّ بلاده ستقصفها إذا تعرّضت للقصف أولاً، وقال إنّ بإمكان بلاده الوصول إلى أي جزء من أراضي الجمهورية الإسلامية.
وقال: «لديّ رسالة لطغاة طهران. إذا قصفتمونا، فسنقصفكم». وأضاف: «ليس هناك أي مكان في إيران لا يمكن لذراع إسرائيل الطويلة الوصول إليه. ينطبق الأمر ذاته على الشرق الأوسط برمته».
وندّدت الأمم المتحدة الجمعة بالتصعيد في الهجمات الإسرائيلية ضدّ عناصر «حزب الله» في لبنان واصفةً إياه بـ«الكارثي»، فيما حذّرت من أنّ البلاد تعيش فترة هي الأكثر دموية منذ سنوات. وقال المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان عمران رضا إنّ «التصعيد الأخير في لبنان أقل ما يمكن وصفه به هو بأنّه كارثي». وأضاف: «نشهد فترة هي الأكثر دموية في لبنان منذ جيل ويعبّر كثيرون عن مخاوفهم من أنّ هذه ليست سوى البداية».
احتمالات .. مواقف دولية
بالتوازي مع ارتفاع وتيرة الإحتمالات التي يعكسها ما أُعلن بالأمس عن نقاشات للقيادة العسكرية الاسرائيلية حول المرحلة المقبلة، وكذلك ما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية بأنّ المرشد الايراني علي خامنئي دعا الى اجتماع طارىء للمجلس الاعلى للأمن القومي، فيما كان لافتاً للإنتباه ما نُقل عن مستشار المرشد قوله «إنّ المقاومة تضمّ قادة وكوادر، وكلّ قائد يستشهد له بديل، وانّ اسرائيل تتجاوز خطوط ايران الحمراء، والوضع بات خطيراً جداً. وقال الرئيس الايراني مسعود بزشكيان انّ العدوان الذي شنّه النظام الصهيوني جريمة حرب واضحة، وسنقف الى جانب لبنان والمقاومة في مواجهة العدوان الاسرائيلي. فيما اعتبر الحوثيون في اليمن «انّ التطور الخطير في العدوان على لبنان، يفتح الباب على حرب مفتوحة وشاملة لن تكون نتائجها الّا وبالاً على الكيان الموقت ومجرمي الحرب.
وقطع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي زيارته الى نيويورك وعاد الى بيروت، وقال انّ العدو لا يأبه لكل المساعي، على المجتمع الدولي ان يردع العدو ويوقف حرب الابادة التي تشنها اسرائيل على لبنان.
وقال وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن «انّ مسار الصراع سيؤدي الى مزيد من العنف والمعاناة وعدم الاستقرار»، ودعا الى التوصّل الى وقف لإطلاق النار على طول الحدود بين لبنان واسرائيل. معتبراً انّ وقف إطلاق النار في غزة واعادة المخطوفين سيحافظ على الامن في غزة والمنطقة. وقال: «نسعى الى تجنّب حرب شاملة في المنطقة، وسنبذل قصارى جهدنا لردع المزيد من التصعيد ومنع اتساع نطاق الحرب وعن هجوم الضاحية قال: «ما زلنا نجمع المعلومات لنعرف افضل عمّا حدث ونحدّد ردنا بناءً على ذلك».
وقال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف: «انّ مسار الحرب الذي اختارته اسرائيل لن يسمح لها بإعادة مدنييها الى الشمال».
وحذّر من انّ الشرق الاوسط اصبح على شفا حرب كبرى. داعياً الى وقف اطلاق النار قبل ان تخرج الامور عن السيطرة، وقال انّ روسيا تدين بشدة الممارسات والانتهاكات الاسرائيلية التي تنتهك سيادة لبنان.
وأعرب الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش عن تخوّفه من تدهور الأوضاع، وقال إنّ اسرائيل استهدفت ابنية سكنية متذرعة بوجود مقر سياسي. وحذّر من أنّ الحرب قد تؤدي الى مزيد من التصعيد بمشاركة قوى خارجية. وقال: «نحن بحاجة الى وقف اطلاق النار، ولا نستطيع ان نتحمل المفاوضات التي لا تنتهي كما حدث في غزة».
واشنطن: الباب مفتوح
وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تعكس ما بدا أنّه إحباط من الردّ الاسرائيلي على الخطة الدولية، الذي “لم يكن بالمستوى الذي توقّعه البيت الابيض وخصوصاً انّ الدعوة الى وقف اطلاق النار تمّ تنسيقها مع إسرائيل” على حدّ ما كشفته شبكات الإعلام الاميركية نقلاً عن مسؤولين أميركيين كبار. إلّا انّها في الوقت ذاته ترى انّ من المبكر الحديث عن فشل المفاوضات او نجاحها، وتسعى الى احتواء مماطلة رئيس الوزراء الإسرائيلي حيال الخطّة التي تؤكّد واشنطن انّها “ما زالت مطروحة وأنّ الباب ما زال مفتوحاً على ان تجد طريقها إلى السريان، ورضوخ نتنياهو إلى الضغط الذي ستواصله ادارة الرئيس جو بايدن، لتحقيق هذه الغاية ولو تطلّب ذلك بعض الوقت، خصوصاً أنّ رئيس الوزراء الاسرائيلي لم يعلن رفضه الصفقة”.
نتنياهو يماطل .. ويصعّد
وفي ما يبدو أنّ واشنطن، ومعها الدول الموقّعه على خطة وقف إطلاق النار، (الولايات المتحدة الاميركية، فرنسا، بريطانيا، كندا، اوستراليا، الاتحاد الاوروبي، السعودية، الامارات العربية المتحدة وقطر) تصطدم بمماطلة نتنياهو التي تجلّت امس في اعلان مكتبه “أنّ الولايات المتحدة شاركت إسرائيل في نيتها طرح اقتراح لوقف إطلاق النار في لبنان، بالتعاون مع شركاء دوليين وإقليميين آخرين، وانّ إسرائيل تتفق مع أهداف المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة لتمكين الناس على طول حدودنا الشمالية من العودة بأمان إلى ديارهم. وقد اجتمعت فرقنا يوم الخميس لمناقشة المبادرة الأميركية وكيف يمكننا تعزيز الهدف المشترك المتمثل في إعادة الناس بأمان إلى ديارهم، وسنواصل هذه المناقشات في الأيام المقبلة”. وخلص بيان مكتب نتنياهو إلى مغازلة واشنطن بالقول “إنّ إسرائيل تقدّر الجهود الأميركية في هذا الصدد، لأنّ الدور الأميركي لا غنى عنه في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة”. على أنّه في موازاة ذلك، قال نتنياهو من نيويورك انّ اسرائيل ستمضي في ضرب “حزب الله”، معتبراً انّ “الحرب ضدّ محور الشرّ الإيراني ضرورية لتأمين مستقبل الغرب كله”. ولاقاه وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت من صفد بإعلانه انّ اسرائيل ستضاعف الجهد في استهداف “حزب الله” حتى تحقيق الهدوء في الشمال”.
الداخل: تشاؤم .. وترقّب
المستوى السياسي في لبنان ينوء تحت ثقل الضغط الكبير الذي فرضه الكمّ الهائل من النازحين، ومساحة الدمار الهائلة الذي أحدثه العدوان الاسرائيلي في مدن وقرى وبلدات الجنوب والبقاع، والارتفاع المتزايد في أعداد الشهداء التي قاربت الـ1000 شهيد وآلاف الجرحى المدنيين، جراء إجرام يفوق الوصف ترجمته اسرائيل بمجازر بحق المدنيين تنقّلت بها من منطقة إلى أخرى.
في موازاة تضاؤل احتمالات وقف إطلاق النار في المدى المنظور، يتكشف ما يبدو انّه حسم مسبق لعدم استجابة اسرائيل لأيّ مبادرات، وفق ما نقلت شبكة “إي بي سي” عن مسؤولين اميركيين مطلعين، بأنّ “إسرائيل تعتبر أنّ الهدنة ستكون في صالح “حزب الله” وستسمح له بإعادة تنظيم صفوفه، واي هدنة، هي متعارضة مع هدف اعادة سكان الشمال، واقناع اسرائيل بالتوقيع على هدنة مع لبنان معركة شاقة”.
هذا الأمر اضافة إلى السوداوية التي تظلل الخطة الدولية، فرضا حالاً من الترقب السلبي لدى المستوى السياسي في لبنان، الذي ارتقى في مقاربته لجهود التهدئة إلى تشاؤم قاطع من إمكان بلوغ هدنة، وحذرٍ فوق العادة من الإنحدار إلى وضع أكثر خطورة، في ظل العدوانية الاسرائيلية، وخداع نتنياهو الذي “يكذب على الجميع” على حدّ تعبير رئيس مجلس النواب نبيه بري.
قبّة باط!
ووفق معلومات موثوقة لـ”الجمهورية”، فإنّ خطّ التواصل السياسي والديبلوماسي مفتوح بحرارة عالية بين عين التينة ومستويات عربية ودولية، وما يتسرّب منها يؤكّد إجماعاً دولياً على الحاجة الملحّة للوقف الفوري لإطلاق النار، وانّ لبنان ذهب إلى المدى الأبعد في التجاوب مع الجهود الرامية إلى وقف اطلاق النار في موازاة الإصرار الاسرائيلي على استمرار العدوان واستهداف المدنيين”.
وأعرب مسؤول كبير لـ”الجمهورية” عن اعتقاد راسخ لديه بأنّ الضغط الاميركي الجدّي على نتنياهو من شأنه أن يحمله على وقف المماطلة والكذب، وقال: “هذا الضغط الجدّي لم نلمسه حتى الآن، بل ما نراه هو العكس، مجازر يومية بحق المدنيين، تدمير القرى والبلدات، وتهديدات وحشود تحضّر لعدوان واسع، وهو الأمر الذي يثير الريبة من أن تكون خلف الأكمة “قبّة باط” لاسرائيل في التمادي في عدوانها.
إمتعاض دولي
وعلى خطٍ موازٍ، كشفت مصادر ديبلوماسية من نيويورك لـ”الجمهورية” عن امتعاض دولي من السلبية المتعمّدة من قبل نتنياهو والتعاطي الفوقي مع الرغبة الدوليّة بوقف إطلاق النار على جبهة لبنان، مع التصويب الدائم والمباشر على “حزب الله” واتهامه بدفع الأمور إلى ما وصلت اليه، وانّ عليه ان يوقف هجماته على إسرائيل.
واشارت المصادر إلى أنّ هذا الإمتعاض لمسناه بشكل خاص لدى الأميركيّين، لكنهم يتجنّبون اتهام نتنياهو بالمماطلة وتعطيل الهدنة، وإن كانوا يوحون بأنّهم يستغربون عدم موافقته على المبادرة التي قادتها الولايات المتحدة وترى فيها مصلحة لكل الاطراف. وقالوا انّ الوقت لم ينفد بعد، وسيبذلون جهداً متزايداً مع رئيس الوزراء الاسرائيلي لبلوغ تسوية.
ولفتت المصادر الى أنّ ممثلي تلك الدول تعتريهم مخاوف حقيقية من انزلاق الامور الى تصعيد أكبر، في ظل الحديث المتزايد في اسرائيل عن عدوان بري على لبنان، حيث أنّهم يجمعون على أنّ هذا الامر يُدخل لبنان والمنطقة في مرحلة اشتعال وعواقب كارثية رهيبة، والفرنسيون تحدثوا بهذا الأمر مع الاسرائيليين وحذّروا من مخاطر استمرار العدوان ولم يحصلوا على اجابات واضحة”.
وقالت: “رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يبذل جهداً كبيراً في الاتصالات واللقاءات التي أجراها مع عدد من قادة الدول ورؤساء حكومات، لحمل إسرائيل على وقف عدوانها، مؤكّداً على ثوابت لبنان والتزامه الكلي بمندرجات القرار 1701، وعلى أنّ لبنان مع كل ما يؤدي إلى ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة. ولمس تضامناً مع لبنان في محنته، وحماسة أكيدة لوقف اطلاق النار”.
وكان الرئيس ميقاتي قد واصل لقاءاته الديبلوماسية المكثفة في نيويورك، حيث عقد اجتماعاً مع الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش، وتمّ البحث في أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 ومساهمة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان”اليونيفيل” في الحفاظ على الاستقرار. وطلب دعماً طارئاً من منظمات الامم المتحدة الانسانية لدعم لبنان في هذه المرحلة.
كما التقى وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الذي اكّد “انّه لا يزال بإمكاننا تجنّب الحرب، ومن غير المقبول وقوع إصابات في صفوف المدنيين”. كاشفاً انّه سيزور لبنان لمواصلة البحث.
كذلك التقى ميقاتي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وجرى البحث في الوضع في لبنان وأهمية الوقف الفوري لإطلاق النار والتوصل الى حل للنزاع القائم.
والتقى ايضاً نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين الاردني أيمن الصفدي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي اكّدت على الحاجة إلى وقف فوري لاطلاق النار للسماح بحل ديبلوماسي يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة”، مشدّدة على “اننا سنواصل دعم الشعب اللبناني”.
ماذا عن “حزب الله”؟
إلى ذلك، وفيما تحدثت بعض المعلومات عن موافقة “حزب الله” على وقف شامل لإطلاق النار يمتد من لبنان الى غزة، يواكبه الشروع في مفاوضات الحل السياسي، يحافظ الحزب على صمت مطبق ولم يصدر عنه صراحة ما يؤكّد ذلك او ينفيه، الّا انّ مصدراً قيادياً في “حزب الله” أكّد لـ”الجمهورية” أنّ “موقف “حزب الله” معلوم وأبلغه الى جميع الاطراف بأنّ جبهة الإسناد اللبنانية لقطاع غزة لن تتوقف، وستستمر في مواجهاتها وفي الدفاع عن لبنان والتصدّي للعدوان الاسرائيلي، وأي محاولة لوقف هذه الجبهة بمعزل عن غزة، مآلها الفشل الذريع”.
ورداً على سؤال عمّا إذا كان “حزب الله” يعوّل على مبادرات التهدئة فقال: “قبل أن نتحدث عن هذه المبادرات، يجب ان نسأل هل الأميركي وسيط نزيه؟ وكيف لمن يرعى العدوان على لبنان ويشارك فيه أن يطرح حلاً نزيهاً يوقف العدوان على لبنان؟”.
اضاف: “موقفنا اعلنا عنه وهو أنّ وقف العدوان على غزة يوقف جبهة الاسناد من لبنان؛ وهذه المعادلة ثابتة ولا تراجع عنها مهما كلف الأمر. ولن تغيّر في هذه المعادلة طروحات مُجمّلة او مبادرات مفخخة ومزروعة بالالغام .. “حزب الله” يعرف ما في قلوبهم ولن يقع في هذا الفخ”.
ورداً على سؤال عمّا يُقال بأنّ العدوان الاسرائيلي أثر بشكل كبير على قدرات “حزب الله”، وعن الشعور العام بأنّ ردّه على العدوان لم يكن متناسباً معه وبمستوى التوقعات، قال: “اذا ما ركنّا الى الدعاية الاسرائيلية، سيبدو وكأنّ العدو يوشك أن يقضي على المقاومة. هم يكذبون على انفسهم ويوهمون المستوطنين بانتصار وهمي وإنجازات لم تتحقق، المقاومة بكامل قوتها وقدراتها، منصرفة الى الميدان، وتعمل بسياق متدرج وليس متسرعاً، وتوجّه الضربات للعدو في الأمكنة التي تؤلمه. واما آثار تلك الضربات ونتائجها، فيسرّبها الاعلام العالمي، وجنود العدو والمستوطنون حجمها ومساحتها التدميرية الواسعة في القواعد العسكرية والمستوطنات ورغم الرقابة المشدّدة التي يفرضها العدو عليهم”.
العملية البرية
وقد لوحظ أمس، تزايد الحديث عن قرب قيام إسرائيل بهجوم بري في لبنان، حيث قال الجيش الاسرائيلي انّه اكمل استعداداته لها، فيما كشف الإعلام الاميركي والاسرائيلي عن حشود اسرائيلية كبيرة في الشمال استعداداً لشن عملية برية، قال مسؤول اسرائيلي انّها ستكون قصيرة”. وبحسب الإعلام الاسرائيلي فإنّ المستوى السياسي في اسرائيل اوعز للجيش بالاستعداد لشن العملية بهدف التوصل إلى تسوية مع “حزب الله” من دون الالتزام بوقف الحرب في غزة”.