عكست الصور ومقاطع الفيديو وعبارات الترحيب بالنّازحين القادمين إلى الشّمال من مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، حيث تتعرّض لقصف العدو الإسرائيلي، ما يحويه أهالي الشّمال من كرم ضيافة وإغاثة الملهوف، بحيث فتحت البيوت والفنادق والمدارس لهم، بعدما كانت القلوب قد فتحت أمامهم قبل ذلك، تعبيراً عن تضامن وطني وإنساني في وجه عدو يرتكب مجازر وجرائم بحق هذه المناطق منذ نحو سنة، وهي مجازر وجرائم إرتفعت وتيرتها في الأيّام الأخيرة وأدّت إلى سقوط أعداد كبيرة من الشّهداء والضحايا والجرحى في يوم واحد، الأحد الماضي، لم يعرفه لبنان منذ أيّام الحرب الأهلية وفق ما أوضح وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض.
بعض هذه المشاهد تكفي للتعبير عن ذلك، وأغلبها كان بمبادرات فردية، منها مثلاً تجمّع مواطنين عند مداخل طرابلس الجنوبية للترحيب بالنازحين واستقبالهم ومساعدتهم، وإعلان كثيرين عن فتح أبواب بيوتهم لهم من غير أيّ مقابل، وتحوّل بعض المناطق والبلدات والأحياء إلى خليات نحل لاستقبال نازحين هربوا من قصف العدو، ورفع آخرين شعارات ويافطات الترحيب بالنّازحين والتأكيد لهم أنّهم سيعودون مرفوعي الرأس، وتقديم مطاعم بسيطة وجبات مجانية للنّازحين ورفض أصحابها قبض ثمنها، وهم يقولون للنّازحين: “أنتم دفعتم دماً، ما نقدمه لكم أقل الواجب”.
حركة النّازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية ليست إبنة ساعتها، بل هي بدأت في الأيّام الأولى التي تلت العدوان الإسرائيلي على لبنان في تشرين الأوّل من العام 2023، لكنّ هذه الحركة التي كانت خفيفة وتتم بهدوء سابقاً إرتفعت وتيرتها في الأيّام الماضية بعدما رفع العدو الإسرائيلي سقف اعتداءاته وإجرامه ومجازره بحق لبنان واللبنانيين، حيث كانت مناطق وأقضية البترون والكورة وزغرتا وطرابلس والضنّية والمنية وعكّار تستقبل دفعات من النّازحين تباعاً.
منذ الأيّام الأولى للعدوان الإسرائيلي على لبنان كان الحديث عن نزوح مواطنين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية أمراً مرجّحاً بقوة، وسط مخاوف وإشاعات بثّها البعض عن أنّ الشّماليين لن يستقبلوا النّازحين لأسباب كثيرة، منها أوضاعهم الصعبة مالياً وإقتصادياً، كونهم الأفقر بين جميع المناطق اللبنانية الأخرى، وأجواء التحريض السّياسي والطائفي التي سادت، ما جعل حركة النّازحين نحو الشّمال تقتصر، منذ البداية، على من لهم أقارب أو أصدقاء ومعارف في مناطق الشّمال.
لكنّ ما قام به الشّماليون في كلّ المناطق كسر هذه الإدعاءات والمزاعم، إذ لم يُطرد أيّ نازح من أيّ منطقة شمالية كما حصل في مناطق أخرى شهدت حوادث مؤسفة من هذا القبيل، ولم يتم اعتراض سبيلهم، ولا التعرّض لهم، برغم إستغلال فئة قليلة أوضاع النّازحين الصعبة لتحقيق مكاسب مالية منهم، من خلال رفع إيجارات البيوت أو زيادة أسعار سلع وبضائع، لكنّ غالبية الشّماليين التي قاسمت النّازحين المسكن ولقمة الخبز وشربة الماء أكدت وعيها وأصالتها ونضوجها وتعاطفها مع النّازحين، بشكل أثبت أنّ الشّمال كان وسيبقى حضن اللبنانيين في كلّ أزمة.
موقع سفير الشمال الإلكتروني