2024- 09 - 20   |   بحث في الموقع  
logo “حزب الله” شيع شهيده بسام فتوني logo عمليات “الحزب” مستمرة.. هذا ما استهدفه! logo اتهامات أميركية لمواقع التواصل بـ"مراقبة المستخدمين" logo طوابير الجرحى تنتظر عمليات العيون... والنقص فادح بالطواقم الطبية logo أسعار الذهب ترتفع: الأونصة تسجِّل رقماً قياسياً جديداً logo "ردًا على ‌ال‏اعتداءات بالجنوب"... حزب الله يستهدف مواقع إسرائيلية! logo توضيحٌ من "الاتصالات" بشأن رسائل نصية مشبوهة! logo "خلاف يتفاقم"... أطلق النار على شقيقه وفرّ!
عرض فني لمناقصة في اليونيسف
2024-09-20 12:25:26

أظن الأوان قد فات للتقدم بهذا العرض إلى اليونيسف رسمياً، فالموعد الرسمي لنهاية استدراج العروض كان منذ أيام. وأظن أيضاً أن لِجاناً بالغة الذكاء وعميقة الخبرة تعكف (وربما تنكبُّ) الآن على دراسة العروض المقدّمة وتفاضل بينها. وستختار لنا الأفضل بإذن الله. أمّا وقد فاتني الموعد القانوني. فلم يبقَ أمامي إذاً إلا التقدم بهذا العرض الفني على الملأ. تأخرت في كتابته، وأعترف ان ذلك حصل لأسباب مزاجية، وتحديداً بسبب الغضب. فحين قرأت الملف الذي أرسله لي صديق يطلب مشورتي، شعرتُ بالإهانة، وقلت له: أنزلنا الدهر، أنزلنا الدهر، أنزلنا الدهر حتى أعلنت اليونيسف عن رغبتها بتعليمنا غسل اليدين. يا للقاع.لا أعرف مَن يخطط المشاريع والبرامج لوكالات الأمم المتحدة العاملة في سوريا، لكني أعرف أن أجدادنا اخترعوا الصابون في حلب، في الألف الثانية قبل الميلاد، وأعرف أننا ـ رغم فقرنا وانكسارنا وهزيمتنا ـ لا نحتاج أحداً يعلمنا كيف نكون بشراً، وكيف نكون أحفاداً لأولئك الأجداد. وذكرتُ حلب تحديداً، لأني حين قلت: بكامل قواكم العقلية تريدون إنفاق المال لتعليم السوريين غسل اليدين؟ قالوا: اليونيسف تعمل الآن في ريف حلب!وللإنصاف، فأصحاب هذا المشروع لا يقصدون إهانة السوريين، هم فقط ضيقو الأفق، ناقصو الحساسية، مخيلتهم كسولة، وصندوق تفكيرهم صغير ومغلق ومجعّد، ولا يعرفون شيئاً عن المجتمع الذي يعملون فيه، ولا يكترثون إلا لإنفاق الموازنات المخصصة لهم كيفما اتفق، وإعداد التقارير في نهاية العام عن طريقة إنفاقها، وإرفاقها باستمارات تقييم تثبت نجاحها الباهر. أفكر في تقديم عرضين، يتضمن الأول أخذ شروط اليونيسف وأفكارها بجدية، ويتضمن الثاني أخذ نفسي وأهلي والحياة الحقيقية بجدية.في العرض الأول، سأقترح رسوماً بالأزرق والأحمر ليدين تشعّان نظافة بين حنفية ومغسلة، والماء ينهال رقراقاً صافياً كينابيع أغاني الرحابنة، وامرأة تبرق عيناها وتفترّ شفتاها عن ابتسامة إغواء لابن عمها المستحم للتو (اليونيسف تنصح بالتركيز على الجانب العاطفي)، وجعلتُه ابن عمها لا رجلاً غريباً، لأن اليونيسف توصي بـ: (الصلة الثقافية: تصميم الحملة وفقًا للعادات والتقاليد السورية)، ونحن بالطبع شعب قديم، لا يزوج البنات إلا لأبناء العمومة، وغالباً سيكون بطل الإعلان قد أوقع "الحيار" على البطلة، أو ربما أجعلهما في حارة شامية وهي تناديه هكذا: ابن عمي تاج راسي. سأقترح أمّاً تغسل يديها وبقربها طفل "أحمر مبلضم بخدين منتفخين" يضحك بسعادة، وفي الخلفية موسيقى أغنية (يا الله تنام ريما) وشمس مشرقة كرمز للأمل والمستقبل المشرق كذلك، لأن دفتر الشروط يطلب في إحدى فقراته التركيز على توعية الأمهات لضرورة غسل اليدين بعد تغيير حفاض الطفل. ولأنه يشجع أيضاً ".. بشدة المقترحات التي تتضمن مشاركة شخصيات سورية بارزة مثل الممثلين/الممثلات والشخصيات المؤثرة الأخرى". وسأقترح فيديو قصيراً لصطيف باب الحارة يغسل يديه، ثم يجلس لدقيقة كاملة لا يشتُم فيها أحداً، ولا يحضن أي أسطوانة غاز. وهذا "الريل" تحديداً سيظهر للجمهور التغيرات العميقة التي ستجري في نظافة المجتمع نتيجة هذه الحملة السلوكية. بالطبع، يعج دفتر الشروط بتلك العبارات الأممية الكبيرة المبهرة المهيبة مثل: (تعزيز الممارسات المستدامة، تعزيز التغيير السلوكي على المدى الطويل، تشجيع التحسينات الدائمة في النظافة الشخصية والمجتمعية، تسهيل التحولات السلوكية، دفع التغيير الجذري، تحويل الوعي السلبي إلى تنفيذ روتيني نشط) كي يبهت البسطاء أمثالنا، ويقفوا مشدوهين أمام هذه العقول الذكية التي تصمم لنا حياتنا وتعلمنا التحضّر. الظرفاء اللذيذون في اليونيسف بدأوا طلبهم بمقدمة تقول: "قد تأخذ الإستراتيجية أيضًا في الاعتبار تبني أفكار غير تقليدية، والانفصال عن المألوف، والنظر في زوايا أو استعارات غير متوقعة تتعلق بالنظافة". فيما حددّوا أهداف الحملة بوضوح وانجدال بالمألوف: "غسل اليدين بالصابون في الأوقات الحرجة الرئيسية: "قبل تناول الطعام/تحضيره أو التعامل معه - بعد استخدام المرحاض - بعد اللعب في الخارج - بعد تنظيف الأطفال/استبدال حفاضاتهم".ولأنهم قالوا بصراحة: "نسعى إلى نهج إبداعي جديد للغاية"، سأتقدم بعرضي الثاني الذي يأخذنا نحن بجدية، وأتمنى أولاً أن توفّق اللجان الذكية باختيار أفضل وأكثر عرض "بيرغي" لتسلمه ملف تعليمنا هذه التكنولوجيا العجيبة. ثم سأخبرهم ثانياً إن الفئة المستهدفة بهذه الحملة ستشعر بالإهانة لمجرد فكرة الحملة. وهذا في حد ذاته إهدار للموازنة وفشل ذريع لها. وأذكرهم بحملة أخرى أعلنوا عنها قبل سنوات لتوعية الأمهات بأهمية الإرضاع الطبيعي، رغم أن أحداً لا يخبر الأمهات كيف يكنّ أمهات، وحتى الضباع لا تحتاج من يخبرها بأن ترضع جراءها. هذه الأشياء تجري هكذا: أحد ما في مكان ما من العالم، غالباً في دولة أوروبية باردة، قد يكون شخصاً أو مؤسسة أو حكومة، يدفع المال تبرعاً أو نسبةً من ضريبته، كي تذهب لمساعدة الآخرين. يستيقظ في الصباح فيقرأ في مكان ما عن حملة أطلقتها اليونيسف لتعليم السوريين غسل أيديهم، سيشعر بالتحسن، ويقول لنفسه: شكراً للسموات، ها هو واحد آخر منّا ذاهب أيضاً إلى أولئك الهمج البدائيين لتعليمهم الحضارة. الأم تيريزا ما زالت حية بالفعل، وأشعر أنني هي. المشكلة فقط أن الأموال التي تهدر في مشاريع كهذه، كان يمكن لها ان تذهب لأماكن تحتاجها فعلاً، لأماكن تحتاج معرفتها فقط القليل من فهم المجتمع الذي تعمل فيه. لأننا نتحمّل منّة الجميع بأنهم استقبلونا على أرضهم في خيام، ولأنهم أعلنوا في مؤتمرات المانحين عن نيتهم التبرع لنا بمليارات الدولارات. لكن أحداً لا يذكر أن ما يتم الوفاء به فعلاً من هذه الوعود، هو جزء صغير يقارب 10% منها عادةً، وهذه الـ10% تهدر في مشاريع بليدة كهذه، وفي أماكن أكثر إثارة للغيظ، سأذكر حادثة عن واحدٍ منها على سبيل المثال. قبل سنتين أو ثلاث، رأيتُ في صفحة صديقة في فايسبوك صوراً لمجموعة من السيدات السوريات (أعرف بعضهن شخصياً) جالسات في مقهى عربي في برلين، أربعة من 15 منهن لا يدخنَّ الأركيلة، وأضافت عليها شرحاً: كانت فرصة رائعة اني شفتكم، صبايا سوريا الرائعات، صحيح أن المؤتمر مش ولا بد، لكن شكراً لمنظمة المرأة الكذا على هذه الدعوة، لأنها جمعتنا من أربع قارات لبضعة أيام من العمر".ثم بعد ثلاثة أشهر، كان هناك مؤتمر للمانحين في بروكسل، وأعلن بيانه الختامي عن تبرعات مليارية لمساعدة الشعب السوري. فكتبت السيدة ذاتها من مأمنها في كندا: غريب وعجيب في آن معاً، أيها العالم الوقح، أين تذهب كل هذه الأموال، فيما السوريون يعانون البرد والجوع في الخيام؟ لم أتمالك نفسي يومها، وعدت بصفحتها حتى عثرت على صورة الأراكيل البرلينية، وضعتها لها في تعليق وكتبت لها: تلك اللمة الحلوة يا سيدتي انحسبت على الشعب السوري بـ200 ألف دولار.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top