عندما تريد كتابة الماضي، عليك بسلخ الذات والرغبة والتمني والانتقام، وأن لا تؤمن بالخرافة وإلغاء الآخر، وأن لا تتعاطى بموضوعية في طرح التاريخ...الموضوعية في التاريخ مهرباً من التاريخ، ومؤامرة عليه، ودجل في إرضاء الجميع، الموضوعية فقط في النقد!
نعم، غالبية تاريخنا يبنى على كذبة، وعلى عنصرية المواطنة التي صنعها الغرب لنا وبنا خارج الموضوعية الاجتماعية النقدية والحقائق المفصلية في التاريخ، وبمجرد تناول التاريخ خارج العنصرية والفوقية خاصة الفوقية الدينية الطائفية والحزبية ينكشف ذاك الصانع، ويسقط أمام جدية تناول البحث والابحاث والدراسات!
التاريخ حركة هادفة إذا تناولناه بمصداقية وليس بمرض اهتزاز الوجود والحضور، والاخطر في زماننا التجاهل المتعمد لحدث يومي ومعركة وفصل رغم انه مفصلي في بناء تاريخ وطن، ويسوقون عن قصد خبريات فيها دجل ونفاق وحقد على أصول التاريخ رغم حضوره القصير والحي...وهم يدركون أن هذا الحدث سيصبح تاريخاً، وهذا التاريخ مع الزمن هو كلاسيكية التاريخ، لذلك يخافون الحقيقة فيه فيفتعلون التلاعب المدروس، وبشطارة التشكيك به، وقلب الحقائق مع اختراع حرفنة في كيفية تزويرها بزرع شخصيات ساذجة ضعيفة عميلة وخائنة للوطن كأمراء وملوك وقادة وحكام حسب خطط مشغلهم ومحتلهم ومستعمر نفوسهم التي تعمل ضمن سياق تقسيم المقسم، وفتنة مدروسة ومتعمدة بين شركاء الوطن والأمة!
ولا عجب أن يسلط الإعلام في كل بلد على مشاكل ليست قضية بل هي فتناوية تخدم المحتل للنفوس "الاحتلال للنفوس والثقافة اليوم اهم من احتلال الجيوش، وقد أخطأت أميركا حينما جعلت جيشها في بلادنا، وكان ذلك بداية ضعف سيطرتها الاحادي، وجبروتها الارهابي، وهي اليوم عرضة لتناول مراكز وجودها بسهولة في بلادنا، ولم يعد للمسافة أهمية بوجود الصواريخ الذكية والسلاح النوعي!"!
الإعلام الغربي منافق وديكتاتوري في حال تحدثت عن إجرام اليهود أينما حلوا في بلاد العرب والمسلمين، والإعلام العربي هو تابع بعد أن أغرق بأموال سعودية واماراتية وسابقاً عراق صدام حسين وليبيا معمر القذافي، وهو لا يعرف إلا التزوير وتشويه الحقائق، وتزوير الذات، ومع الأيام يفرض تاريخاً مزرواً!
وبعض الإعلام العربي لا يزال يلعب بالتاريخ على طريقة النظام أو الحزب الحاكم مثل مصر وسوريا والمغرب وبعض دول الخليج والإعلام الحزبي، و...!
أما الإعلام اللبناني فالحديث يطول عنه وفيه، وهو شريك فعلي بتزوير التاريخ، خاصة تاريخ لبنان ككيان بما حمل سابقاً واليوم، وربما حادثة " المقاوم أدهم خنجر ضد الاحتلال الفرنسي للبنان" أكبر دليل على إعلام في الصورة جميل، وفي الداخل مشترى لمن يدفع، ويتغلغل فيه الحقد الطائفي والعنصري والالغائي، ومن اجل المال نوظف إعلامنا!
الإعلام أينما كان هو من مصادر تاريخ هذا الزمان، ولا عجب أن يسلط الإعلام اللبناني الضوء على قصص شعبية وحدث شخصي تافه في زاروب لا علاقة له بالتاريخ، بل هو مجرد حدث معيشي فردي ولا يصنع التاريخ، وهذا الإعلام يتجاهل المعارك والمواقف والأحداث الكبرى المفصلية، والتي ترسم ملامح التاريخ، ومن ثم تصنع التاريخ إلى أن تصبح في قلبه ومن التاريخ كما حال المقاومة الشعبية خاصة في جبل عامل، والمقاومة الوطنية اللبنانية أيام الاحتلالات المتعددة القديمة إلى المقاومة اللبنانية الإسلامية في لبنان ضد الوجود الأميركي والاسرائيلي والغربي!
وتلك الفعلة الصغيرة في حدث داخل حي وزاروب تصبح في الإعلام المرتزق قضية رأي عام رغم هبل الموضوع، وبذلك يتم تجاهل الحدث الكبير المفصلي والحدث للمقاومة فتلتبس الأحداث، ويتم تغييب الحقيقة المصيرية التي يبنى عليها المستقبل في التاريخ!
وهنا يسارع الإعلام "الإعلام هو المعركة الأولى في حروب هذا العصر، ولا إعلام يتحرك بعفوية"، يسارع بتقديم وجبات إعلامية عن الجنس ومشاكل الفنانين والجيران واللهو والرياضة، وشتائم السياسيين وشهوات الداعم...وكلما تقترب بكتابة مرحلة نعيشها بشفافية يقطع رزقك في الإعلام والوظيفة، وتتهم بصناعة مسير تاريخي ملتبس، وهذا الالتباس يصبح هو التاريخ للأسف!
نعم...التاريخ اللبناني المعاصر تصنعه قوافل الإعلام المزور، وينتج عنه كُتاب يتميزون بالوسامة والشهرة ولا يتقنون ثقافة التاريخ، وبالسطحية والنفاق وببراعة كلامية منمقة تساهم في تزوير الحدث والتاريخ والمرحلة لصالح مشغلهم من خارج الوطن لآن المقاومة تقاتل هذا المشغل الشيطاني!
وللأسف تسوق الألسن وكتابات هذه الزمر عبر الإعلام لتصبح مع الايام هي المرجع الأساسي...وهي في الحقيقة المهنية"لم يعد العربي يهتم بالمهنية" هي عابرة، وتكتشف نفاقها وشيطنة تصرفاتها وكتاباتها إن خضت البحث عن مصادرها غير الموجودة في التاريخ، والتفسير لهذه الأفعال الافتعالية الانفعالية في صناعة التاريخ الهجين باينة الاهداف، وتسقط مع الزمن لكون دوافعها واضحة وضوح الشمس...ومن يتصافح مع تاريخه يتصالح مع التاريخ بشكل عام...