رغم هيمنة وسائل التواصل، لا يزال لكتاب العطلة مكانه الخاص، ومثلما تحتل واجهات وكالات السفر تنافساً في العروض الخاصة بالإجازات، تغير المكتبات من معروضاتها من الكتب، وتبرز روايات الإثارة الخفيفة، إلى جانب كتب الرحلة الثقافية، وبدورها تعطي الصحافة أهمية خاصة لهذا النمط من الكتب. هناك مقالات ترشّح عدة كتب للقراءة الصيفية، وتنصح القراء بها، وهي بذلك تسهل على القارئ غير المتخصص عناء البحث، وتميز صحف أخرى نفسها، بتقديم عرض موسع لكتب ترى أنها مناسبة للعطلة، ويذهب بعضها إلى نشر كتب على حلقات يومية، وهي بذلك تبقي القارئ على صلة يومية بها من جهة، ومن جهة أخرى تعوض عن غياب النشاطات، التي تتوقف أثناء العطلة والإجازة.
الكتب هي البوابة إلى معرفة أفضل. والكتاب الجميل يعلم ويحفز ويثير فضول حاجة الاستكشاف والاكتشاف. هذا الكتاب إضافة ممتازة لأي مكتبة منزلية أو مدرسية، ويمكن أن يعلم الكثير بمجرد فتح بضع صفحات. إنه بداية محادثة ويستحق الاستثمار. وقد يكون في التصوير الفوتوغرافي، الذي يعرض المكان بالصورة فقط. تتنوع كتب العطلة، وفقا لتنوع القراء، وهناك دور نشر تكرس نفسها من أجل إصدار كتب متخصصة بالعطلة، وهي تعمل على مدار العام لتلبية حاجة وشغف القراء الصغار والكبار، الرجال والنساء، خلال فترة وجيزة، ومن ثم يتخلون منها بعد نهاية الإجازة، وقد تكون مصممة كي يتبخر مفعولها سريعاً، بعضها يعتمد على الإثارة فقط، والبعض الآخر من أدب الرحلات، أو تثقيفي يجمع بين المتعة والمعرفة والاكتشاف. وهذا لا يسري على جميع القراء، الذين قد تكون الإجازة الصيفية للبعض منهم عبارة عن استدراك قراءات مؤجل لكتب ليست ذات طبيعة سيارة، وهناك من يجعل كتاب الصيف موضوعاُ ذا فائدة إضافية للإجازة، لا يستهلك الوقت، ولا ينفقه من دون مردود معرفي فكري أو سياسي.
ثمة كتب مصممة بالكامل لقضاء العطلات، والهدف منها تزويد المسافرين بكل المعلومات التي يحتاجون إليها للاستمتاع بالإجازة. لكن كتاب الصيف الجيد هو الذي يتجاوز الأساسيات فقط. ويوفر تلك اللمسة الإضافية، مثل الخصائص المحلية أو الغرائب​، التي تجعل القراء يشعرون بأنهم يقومون بمغامرة أو سفر نحو البعيد. وبعضها يتضمّن تفاصيل عن الإجازة، والأشياء التي يجب رؤيتها والقيام بها، وكيفية معرفة المزيد عن ثقافة الدولة من خلال أفلامها وموسيقاها وطعامها ومشروباتها.
أدب الرحلات من بين أكثر الكتب مبيعاً في العطل الصيفية. هذا ما صدر في عدة نشرات إعلامية عن دور نشر عالمية مختلفة. ويعد هذا النوع من الكتابة الأكثر قدماً، ومارسه الجغرافيون والمستكشفون وهواة السفر على حد سواء، ومنهم العرب والأجانب، ومن أبرز الرحلات التاريخية رحلة المغربي الطنجاوي ابن بطوطة في القرن الرابع عشر "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، التي أصبحت تراثاً عالمياً في الاكتشاف والسفر، ومن الكتب التي شكلت علامات ثقافية بارزة بين عالمين، رحلة المصري رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا " تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، التي تعد حتى يومنا هذا مرجعاً في رؤية الشرق للغرب، وكتابي "الساق على الساق في معرفة الفارياق" و"الواسطة في معرفة أحوال أهل مالطا"، للكاتب اللبناني أحمد فارس الشدياق، وفي الاتجاه الآخر، تشكل كتب الرحالة الفرنسيين والبريطانيين كشفاً أساسياً في الاستشراق وتاريخ وجغرافية العالم العربي، ومن بين هؤلاء الفرنسي جيرار دي نيرفال في كتابه "رحلة إلى الشرق"، والبريطاني ولفريد ثيسيغر صاحب الكتابين الفريدين "الرمال العربية" و"الأهوار".
لا يمتلك العرب ترف الحديث عن العطلة، وخصوصاً في العقد الأخير الذي شهد تدهوراً كبيراً على مستوى الحياة العامة، بسبب التوترات السياسية والحروب التي شهدتها بعض الدول العربية كمصر والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وآخرها حرب اسرائيل على قطاع غزة، التي الغت الكثير من الفعاليات الثقافية، تضامنا مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه حرب إبادة.
فكرة العطلة عند العرب مختلفة عنها لدى الشعوب التي سبقتنا على طريق التقدّم. هي فترة للراحة وتصفية الذهن من متاعب عام كامل، ومن أجل العودة إلى العمل بطاقة جديدة. وهذا أمر يتعلق بالعمل والإنجاز، ولذلك تبنت الأنظمة الرأسمالية إجازة العمل المدفوعة، ومرتب الشهر الثالث عشر، لأن ذلك ينعكس على المردودية في الإنتاج قبل الاعتراف بهما كحقوق. ورغم أن العطلة المرتبطة بالسفر باتت منتشرة على نطاق واسع في العالم العربي، إلا أنها تتركز في العموم على السياحة ذات الطابع الترفيهي والتسوقي. ويقتصر الهدف الثقافي والاستكشافي والمعرفي، منها على فئات محدودة.
كتاب العطلة العربي شبه نادر، ولكن أدب الرحلات العربي الحديث بدأ يشق طريقه في العقدين الأخيرين، وأخذ بعض الكتاب العرب يدونون رحلاتهم إلى بلدان أخرى، ومن بين كتاب الرحلة العرب روائيون وشعراء سجلوا تجارب في التثاقف، حسونة المصباحي، خليل النعيمي، فاروق يوسف، جمال الغيطاني، عائشة بلحاج، خيري الذهبي، وبعيداً عن الأحداث المأسوية التي تهيمن على العالم العربي، يبدو من غير المألوف في الصحافة العربية الحديث عن كتاب العطلة، بل النظر باستهانة وخفة لأدب الرحلة، وتكاد تكون دار السويدي، التي يشرف عليها الشاعر نوري الجراح، المتخصصة الوحيدة في هذا النوع الأدبي.