تستمر الحرب المفتوحة بين حماس وحلفائها من جهة وبين إسرائيل وحماتها من جهة أخرى، وتستمر معها الحملات الإعلامة والتهويلات والتهديدات وكأننا نعيش ملحمة من ملاحم الإغريق ولكن بصبغة تتسم بالحداثة بالشكل، ولكنها تبقى أسيرة منطق الحروب القديمة، ويكفي أن تستمع إلى الناطق باسم الجيش الإسرائيلي الذي همه الوحيد إرضاء الداخل الإسرائيلي بعيداً عن الواقع والموضوعية، وكأن المنتصر هو من يعلي الصوت أكثر ومن يمارس الكذب اكثر من الآخر، فتغيب مشاهد الحرب التقليدية لتحل محلها الروايات التي ينسجها المتقاتلون فيصبح كل فريق يغني على ليلاه. ولا عجب في ذلك فالمتحاربون وأياً تكن العقيدة التي يقاتلون من أجلها، فالفلسطينيون يقاتلون من أجل إثبات وجودهم وحقهم الشرعي في وطن قومي يعيشون فيه كما تعيش كل شعوب العالم، في حين أن إسرائيل تشن حرباً بإسم يهود العالم وتعتبر أن هذه المعركة هي المعركة الفاصلة التي لا يمكن خسارتها لأن ذلك يعني وبكل بساطة بداية زوال الدولة العبرية، وذلك بحسب ما أعلنه أكثر من زعيم وأكثر من سياسي إسرائيلي. وهكذا فالمعركة من منظار صهيوني هي معركة وجود ومن المنظار الفلسطيني معركة إثبات وجود.
حرب الشعوب القديمة
وهكذا نرى أن الشعوب القديمة ونحن نعني هنا الإسرائيليين كما الفلسطينيين، فالإثنان ينتميان إلى نفس المنطقة تجمعهم جغرافيا واحدة وتاريخ واحد ولكن كل وحد منهما يقف في جهة معاكسة للاخر، وكل واحد لايريد الاعتراف بحق الآخر بالوجود والعيش، والمفارقة أن الفلسطينيين وحلفائهم وكما أعلن الأمين العام لحزب الله قد تخلوا عن إزالة إسرائيل ورميها بالبحر، في حين بلغ التعنت الإسرائيلي ذروته في إعلانه استمرار الحرب لمحو حماس من الوجود وإزالة حلم الدولة الفلسطينية، بحيث أن كل ما يمكن أن تقبل به إسرائيل هو شبه دولة تتمتع بحكم ذاتي بعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة المستقلة ذات السيادة على كامل ترابها، حيث يقرر أبناءها شكل الحكم فيها وينتخبون ممثليهم من ضمن عملية ديمقراطية. فلا معنى للديمقراطية لدى الشعوب القديمة واليهود ضمناً، وإن الحرب لا يمكن أن تتنهي إلا بغالب ومغلوب حيث أن المنتصر يملي شروطه على المهزوم وقد يذهب الأمر إلى إبادة الآخر، وهذا ما مارسته الدولة العبرية وجيشها طيلة الأشهر العشرة من حربها على غزة.
حرب اللاضوابط
صحيح أن الحرب الدائرة تخضع لقواعد اشتباك، ولكن المفارقة أن هذه القواعد ليست ثابتة بل هي قواعد مرنة تتكيف مع نوعية الأسلحة ومع نوايا المتقاتلين. وهكذا يصبح قصف المدنيين مبرراً لدى إسرائيل لأن القصد منه هو ضرب الإرهابيين على حد زعمها. أما تخطي الخط الأزرق وحدود ال 1701 فمسألة فيها نظر، حتى أن الوصول إلى مشارف بيروت وعمق الضاحية واغتيال مسؤولين فهي تدخل ضمن العمليات العسكرية بحسب العدو الإسرائيلي. وهكذا يتضح أن القرار 1701 التي يتشدق البعض به ليل نهار فإن الإسرائيليين لم يحترموه يوماً، ناهيك إلى إرهاب الأطفال وخرق جدار الصوت فوق المناطق المدنية.
حرب دعايات مغرضة
أضف إلى ذلك هنالك حرب الدعايات المغرضة التي مارستها الدول الغربية ضد لبنان فقامت بإفراغ البلد من السواح وأعطت الأوامر لشركات الطيران وشركات التامين لعدم تغطية لبنان ومطار بيروت، كل ذلك بحجة المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها رعاياها، فمن يا ترى يعوض على لبنان خسائر باكثر من 3 مليارات دولار نتيجة تهشيل السواح؟. إن عمليات الرد والردود المضادة لم تتجاوز ما كان يحصل طيلة سني الحرب الماضية وبالتالي فإن بث حالة الذعر هو أمر غير مبرر، وبالتالي فالمطلوب من الذين يبثون الشائعات في الداخل أن يكفوا عن ذلك، لأن ذلك يشكل فعل خيانة وإذا كانت العدالة عاجزة عن تطبيق القانون بحقهم فإن التاريخ لن يرحمهم. فالرد وما بعد الرد كلها عمليات لن تذهب إلى الحرب الإقليمية كون إسرائيل لا يمكنها خوض هذه الحرب، وقد أثبت رد الحزب اللاهي أنه وبدون التغطية الأميركية فإن الدولة العبرية لا يمكنها من حماية مدنها ولا سيما تل أبيب من سقوط الصواريخ.
كاتب سياسي