بدا واضحاً، غداة ردّ “حزب الله” على اغتيال القائد العسكري لديه فؤاد شكر والمواجهة التي حصلت بينه وبين إسرائيل فجر الأحد الماضي، أن الوضع الميداني في جنوب لبنان وعلى الجبهة المفتوحة مع إسرائيل منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قد عاد إلى ستاتيكو أو معادلة ما قبل الأحد، أي إلى الاستمرار في معادلة “المشاغلة” المضبوطة بقواعد اشتباك “مرنة”. وهذا يعني بوضوح أن الاستنزاف الطويل المدى، المرتبط بحرب غزة، سيبقي مصير الجنوب وعبره البلاد بأسرها عرضة لتداعيات هذه المعادلة القسرية وتطوراتها إلى أن تظهر معالم جدية لتسوية توقف الحرب في غزة.
ومع أن الساعات الأخيرة شهدت انحساراً لافتاً في المواجهات قياساً بالفترة الأخيرة، فإن عودة سلسلة الغارات الإسرائيلية الكثيفة التي استهدفت عدداً من القرى ناهيك عن تحريك “حزب الله” مسيّرات في عملية استهداف، أظهر ميدانياً على الأقل أن المجريات الحربية التي حصلت صباح الأحد الماضي انحصرت برد الحزب وردّ إسرائيل على الرد، فيما تصرّف الجانبان أمس كأن العودة إلى الستاتيكو الميداني تجاوزت حالة الاستنفار الضخمة التي سبقت وواكبت مجريات الأحد لتعود الوقائع الى “رتابة” المواجهات التقليدية كما كانت قبل الأحد الماضي.
وفي ما يعتبر الاستهداف الأول بعد تطورات الأحد الماضي، استهدفت مسيّرة إسرائيلية بصاروخين سيارة رباعية الدفع من نوع هوندا عند أوتوستراد الشمّاع، بين حارة صيدا وعبرا. وأشارت المعلومات إلى أن لا اصابات في الغارة الإسرائيلية، إذ أن المستهدف نجا قبل حدوث الضربة وهو القيادي في “حماس” نضال حليحل. أما على الحدود، فاستهدفت غارات إسرائيلية بلدتي علما الشعب وطيرحرفا والمنطقة الواقعة بين الطيبة والعديسة وبلدة كفركلا. ونفذت مسيّرة غارة على بلدة حانين.
وخرق الطيران الحربي الإسرائيلي جدار الصوت فوق مختلف الأراضي اللبنانية. وجدّد الطيران الحربي الإسرائيلي بعد الظهر ومساء غاراته التي استهدفت دير سريان وزوطر الغربية وكفركلا ونهر الخردلي وأطراف يحمر الشقيف وأطراف الناقورة. وفي المقابل، أعلن “حزب الله”، “استهداف التجهيزات التجسسية في موقع راميا بمحلّقة إنقضاضية والاصابة مباشرة”.
وفي هذا السياق جدّد “حزب الله” التأكيد أنه لا يريد الحرب الشاملة. وقال الوزير السابق محمد فنيش إن الردّ على اغتيال شكر “أتى في إطار معاقبة العدو وإلزامه العودة إلى قواعد الاشتباك”، مشيراً إلى أنّ “المقاومة تمتلك من القدرات ما يجعلها مستعدّة لكل الاحتمالات، وهي لا تريد خوض حرب شاملة لأن أهدافها ليست كذلك، لكن إذا ما حاول العدو أن يتجاوز الحدود أو يتمادى أو يستهدف المدنيين، فالمقاومة مستعدة للردّ وهي حاضرة وجاهزة لكلّ احتمال”.
وهاجم من تحدث عن حرب شاملة مقبلة، قائلاً: “أما أولئك الذين روّجوا لإمكان الوصول إلى حرب شاملة، وأنّ الأيام الآتية قد تشهد مثل هذه الحرب، فنقول لهم: كُفّوا عن مثل هذه التحليلات، سواء بغرض تثبيط العزائم أو التهويل أو التخويف، لأنّنا تجاوزنا كل هذه المراحل، وحواجز الخوف قد سقطت، والخشية من العدو قد أصبحت من الماضي”.
أما إسرائيل، فأعلنت عبر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي أن “مهمتنا واضحة وهي إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان في أسرع وقت ممكن”. وقال خلال جولة له على الحدود الشمالية مع لبنان: “مصممون على مواصلة إلحاق الضرر بـ”حزب الله” والقضاء على قياداته”. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية عن اطلاق نحو 20 صاروخاً من لبنان في اتجاه بلدات إسرائيلية على الحدود الشمالية تزامناً مع الإعلان عن زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي ونظيره الأميركي للحدود.
التحرك الديبلوماسي
اما في المقلب الديبلوماسي من المشهد، فتوقعت أوساط ديبلوماسية أن تنشط التحركات مجدداً على خلفية السعي إلى إبقاء الوضع ضمن الضوابط وعدم اتساع التوتر خصوصاً بعد التمديد المرتقب للقوات الدولية العاملة في الجنوب “اليونيفيل” بما يطلق دورة جهود جديدة لإحياء تنفيذ القرار 1701 .
كما أن معلومات لـ”النهار” أشارت إلى أنه من غير المستبعد أن يزور بيروت في الأيام القليلة المقبلة رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي سي كيو براون الذي يقوم منذ أيام بجولة على بعض بلدان المنطقة، وذلك لإجراء محادثات مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون تتناول الوضع في الجنوب والمنطقة والدعم الأميركي للجيش اللبناني.
وفي اطار التحركات الديبلوماسية، برز أمس لقاء بين السفير السعودي وليد بن عبد الله بخاري في مقر إقامته في اليرزة والسفير الفرنسي لدى لبنان هيرفيه ماغرو جرى خلاله البحث في أبرز المستجدات السياسية الحاصلة على الساحتين اللبنانية والإقليمية، خصوصاً في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة الجنوبية. ولا يُستبعد أن يكون هذا اللقاء مؤشراً لتجديد المساعي السعودية الفرنسية المشتركة حول الواقع اللبناني بشقيه المتعلقين بالوضع على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل وبالأزمة الرئاسية العالقة والجامدة منذ مدة طويلة.
تزامن ذلك مع معلومات تؤكد أن فرنسا قدمت الصيغة النهائية لقرار التجديد لـ”اليونيفيل” على أن توضع باللون الأزرق وتقرّ في مجلس الأمن الدولي الخميس المقبل من دون تعديلات جوهرية مبدئياً. وفي اطار استكمال الاستعدادت والتحركات الحكومية في هذا الإطار اجتمع أمس وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب مع سفراء فرنسا، الصين، إسبانيا، وايطاليا والقائمَين بأعمال سفارتي روسيا والمملكة المتحدة، وذلك في إطار متابعته الحثيثة لمسار التمديد للقوات الدولية، التي تنتهي ولايتها نهاية شهر آب (أغسطس) الجاري، وعرض معهم المفاوضات الجارية حالياً في مجلس الأمن بشأن التمديد لقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان لسنة أخرى. وكان بو حبيب ناقش أيضاً في اتصال هاتفي مع سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون آخر مستجدات تمديد ولاية اليونيفيل.
وأعاد الوزير بو حبيب تأكيد موقف لبنان “الثابت للتمديد لـ”اليونيفيل” لسنة أخرى، ومن دون إدخال أي تعديلات على قرار التمديد”. كما استقبل وزير الخارجية سفيرة قبرص لدى لبنان وتم عرض التطورات الأمنية في لبنان والمنطقة، والمساعي الجارية للتوصل الى وقف لاطلاق النار في غزة، إضافة الى مسألة التمديد للقوات الدولية.
وفي حين أعتبر وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن “التصعيد في لبنان مقلق للغاية”، مؤكدًا الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار في غزة، تلقى بو حبيب اتصالاً هاتفياً من مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عرضا خلاله التطورات الميدانية في جنوب لبنان والمنطقة. وأعرب بوريل عن تأييده لموقف لبنان المطالب بالتطبيق الفوري لقرار مجلس الأمن رقم 1701.
وأسف الوزير بو حبيب وبوريل “لعدم تحقيق انفراجة في الجولة الجديدة من المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة وقطر ومصر للتوصل إلى وقف لاطلاق النار في غزة، والتي عقدت في القاهرة بعد الجولة الأولى في الدوحة. وأكدا أهمية استمرار الجهود والمساعي لايقاف اطلاق النار في غزة باعتباره المدخل الأساس لوضع حد للتصعيد الدائر في المنطقة وتجنيبها حرباً شاملة. وشدّد الوزير بو حبيب على ضرورة أن يمارس الاتحاد الأوروبي ضغوطاً على إسرائيل لتوقف عدوانها المستمر على لبنان وتلتزم بتنفيذ القرار 1701”.