خطأ حماس وبعض عناصر المقاومة في فلسطين الذي تحول إلى مآزق كبير بالاقليم يكمن في الإيمان المطلق بأنظمة عربية وإسلامية مطبعة مع عدوها، وهي على علاقة ودية وتأمرية مع الكيان الصهيوني، لا بل شطحت حماس وقادتها بالوقوف إلى جانب السعودية( إعلامها الأكثر شماته بمقتل هنية) والإمارات وحتى مصر والسودان في حربهم العبثية ضد اليمن، واليمن استمر بمناصرة فلسطين، رغم أن تلك الدول التي ذكرناها في حالة وئام مع إسرائيل!
لا بل غامرت حماس بما تحمل بالوقوف مع تركيا وبعض العرب المطبع ضد سوريا والمقاومة في لبنان، وسوريا أكثر دول العالم مساندة لفلسطين!
هذا التصرف اربك فيما بعد حضور حماس التي لم تجد معها بعد "طوفان الأقصى" إلا الدول التي وقفت هي ضدها إرضاء لعرب وإسلام التطبيع، وتحديداً لبنان وايران وسوريا واليمن!
ومنذ انطلاقة معركة طوفان الأقصى التي انهت "صفقة القرن"، وحماس تتحمل الجزء الأكبر من هذه المعركة، ومن ثم شراكة كل فرق المقاومة في فلسطين من دون السلطة وحركة فتح، وهذا جعل من حماس أكثر انتشاراً شعبياً ومسؤولية خارج تناقضات علاقاتها مع شعبها ومع بعض دول المحور خاصة سوريا، ومن كان لديه ملاحظات عليها وضعها جانباً، والتف من حولها دعماً وقولاً وفعلاً وإعلاماً.
ولا يوجد الكثير من التغيرات في هذه المعركة التي فضحت الجميع وبالتحديد الدول والأنظمة العربية والاسلامية، وكشفت تحول خمول الشارع العربي إلى تخمة في حب الحياة على طريقة عملاء إسرائيل في الداخل اللبناني، وهذا الشارع أكد أن علاقته بالله وكتابه ودينه وقيمه مجرد فلكلور تحت الطلب وللمتعة، ولا يوجد ما يمارسه كعِلم ومعرفة بل أقوال من دون أفعال، وفعلهم عكس اقوالهم!
على حماس اليوم أن تكون عكس حماس قبل الطوفان، والتعلم من الخطأ فضيلة، وأن تقتنع في السياسة أننا أمام خيارين إما من ومع هذا الخط أو ضده، والمجاملات بعد حرب الابادة الصهيونية بمشاركة عربية وتغطية تركية إلا بالصوت خيانة لدماء الشهداء والأرض، وعليهم أن يأخذوا بما قاله السنوار:" مدينة غزة فضحت الجميع من مطبعين ومتأسلمين"!
وربما ما حدث في جلسة عاصفة بين حماس والأتراك قبل استشهاد اسماعيل هنية يندرج ضمن ما ذكرناه، وكان لحماس عتباً كبيراً على التجار الاتراك الذين اغرقوا اسرائيل بالمواد الغذائية والصناعية مع مصر والسعودية والامارات والاردن!
وكان العتب الأكبر على الرئيس أردوغان الذي يكتفي بالتصريحات دون أن يقدم مساعدة ومساندة تُذكر!
قد يكون لتلك الجلسة العاصفة تأثيرها في جعل أردوغان أن يكثر بالمرحلة الراهنة من مهاجمة إسرائيل كلاماً( دون ايقاف مصالحه التجارية معها) والطلب بالجلوس مع الرئيس بشار الاسد، لذلك سارع وفتح الحوار مع السوريين، وهاجم قبرص إذا وقفت مع إسرائيل!
بالطبع هذا التصرف ليمتص غصب حماس والفلسطينيين وأهل السنة وهو يدعي الزعامة، ولكنه يأتي انزعاجاً وليس قناعة، وبالتأكيد ابتعاد أردوغان عن محور المقاومة امنياً أراح المحور سياسياً!
وبعد اغتيال هنية سوق التركي "خالد المشعل" ليحل مكانه، لا بل فرضه فرضاً، بينما إيران وحزب الله لم يتدخلا، ولم يقدما أي أسماء، وتركا لحماس حرية الاختيار!
نعم حماس أُصيبت بضربة كبيرة وقاسية لاغتيال الرئيس هنية في طهران، وهي تؤمن اليوم بأن يكون الرد قوياً، واخبروها من اليمن إلى إيران وحزب الله أن الرد سيتم وسيكون قاسياً على العدو، ومع ذلك نجحت حماس في تخطي ما حدث مع هنية، واستمرت بقراءة المرحلة بدقة وعناية، وهي التي ومنذ 5 سنوات قامت بإعادة تموضع استراتيجي بعد الأثر السلبي لمواقفها ضد سوريا، وكشفت شطارة دبلوماسيات والدعم العربي والتركي لها، وأن معركة 7 أكتوبر أضعفت قطب اعداء سوريا في حماس، كما دعمت التفاعل مع حزب الله وايران، اي جعلت حماس من محور المقاومة الأساسي في تطلعات وجودها، وابعدت عن حماس الدجل الدبلوماسي والاممي التي وعدت به من أنظمة عربية وإسلامية مطبعة!
حماس التي سعت وهي في قلب الحرب الشرسة إلى القائد النموذج بعد هنية نجحت بالسنوار، واعادت تموضعها في قلب حدث المقاومة خارج العقلية الاستخفافية بأن أنظمة العرب مع فلسطين، وبأن أردوغان الداعم الأول لفلسطين، ورغم وجع هذه النظرية، إلا أن التموضع الجديد لحماس افادها، وهي لن تكسر العصا، وستحاول مسكها كما ترغب لا كما ترغب دول التطبيع العربي وتركيا بالأخص!
واقع العرب والمسلمين المتصهينين مؤلم، وهرولتهم للتطبيع مع كيان غاصب ومؤقت ولم يعد بمقدوره حماية نفسه شبه مكشوف يتطلب من حماس التموضع الذكي، والإيمان المطلق بفكرة المقاومة، والحسم بالعلاقات مهما غضب الشقيق الخائن...إن ذلك لهو مآزق التموضع في استراتيجية الأقليم!