الموت حق...!
ولكن خبر رحيل جورج قرم مرهق، ومتعب، ويصيب بالحزن العميق، وموجع!
مرهق... لآن جورج من أكثر الأوادم في لبنان، وربما الوحيد أدمي بعد الرئيس سليم الحص في اللعبة السياسية الداخلية، لا يكذب، ولا يعرف النفاق بحجة التجمل، يعطي رأيه بصفاء العلم...وأمثاله قله!
ومتعب...لآن الوطن في هذه الظروف يحتاج أمثاله، ولن نجد بعد اليوم كجورج، هذا الشامخ بعلومه وعلمه، والواثق بما يطرح ويبوح به، لا يثرثر في الوطنية كغيره، لكنه سيد المعلومة، مستمع، يصغي، مهذب من زمن ليس بهذا الزمن...!
ويصيب بالحزن العميق خبر رحيل جورج قرم ليس لكونه رحل بل لكون كل البلد لم يستفد منه، ولآن شباب أو ما تبقى من شباب في لبنان لم يتعرف عليه كي يتعلموا الفكر والمعرفة مع الشرف والأودمي...!
وموجع...نعم موجع غياب حامي الوطن بفكره وتطلعاته وحياكة المصير النظيف والثابت على قواعد سليمة، والذي كان يربط الوطن بالنظافة...
موجع لكون جورج قرم نظيف الكف واللسان والمواقف، ومن أين ستجد هكذا منارة وموسوعة، وتطلع وطني في رجل، وجورج بالحق رجل من إمرأة أنجبت هكذا رجل....؟
جورج قرم يؤمن بالحرية وبكونها ليست حرية مطلقة بل مسؤولية، وهو من أكثر المطالبين بالعدالة، وفي كل لقاء يجمعنا يقول:" العدالة تصنع الوطن"...بالطبع العدالة غائبة في بلدنا، وإن حضرت، تكون عبر الزعيم!
هو مرجع في الفهم النهضوي والتواضع والنزاهة، وهو مشرقي بامتياز، ووجوده بيننا هو المكسب، ورحيله الآن صفعة للوطن!
يعطي رأية بشهية أن تسمع منه المزيد حتى لو لم تتفق معه، يجاهر بطرحه بأدب وعزة نفس، لا يفرض كلامه ووجهة نظره، بل يتودد بثقة لتجد أن ما قاله حقيقة وواقع وربما هو ينتمي إلى المدينة الفاضلة!
جورج قرم ليس طائفياً، ولولا مرض الأسماء لشغلك لسنوات حتى تعرف ما نوع دينه، وليس عبيطاً في الانتماء لوطنه، وهو من دافع ويدافع بشراسة عن وطنه الذي أحبه وصادقه وعاش مخلصاً له...
جورج مواليد 1940، ليس غبياً في الخدمات الانسانية بل مندفعاً إذا استطاع، وحينما استلم في عهد الرئيس الشريف سليم الحص وزارة معينة ولا يهم ذكرها لكون الوزارات في لبنان وجاهة وقنص فرص وليس كل الوزراء بالطبع، هو استلم ليبني الوطن، ويقدم للأجيال ذهب التجربة، خافوه وحاربوه وارادوا إخفاء صوته وفكره، ولا يتبجح بعلمه وهو خبير اقتصادي ومالي لبناني عالمي، واختصاصي في شؤون الشرق الأوسط ودول حوض البحر المتوسط – مستشار لدى مؤسسات دولية وشركات ومؤسسات مالية ومصرفية خاصة وعامة، وهو عضو المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
هذا قليل من رجل يستحق الحياة، تليق به الوزارات، ويشرف المكان الذي يستلمه ويكون به...جورج قرم الوفي والمستقيم فارس من هذا الشرق خسرناه حياً ويوم رحل أيضاً خسرناه...وهذه بلادنا لا تعرف قيمة الجواهر إلا في حانات مشبوهة وأصحابها عراة، وجورج قرم لا يعرف التعري من أجل المناصب...... !