وكما هو معلوم، يبدأ فصل الصيف رسميا في 21 حزيران، وكانت بدايته لبنانيا قاسية هذا العام، إذ اصطحب معه عدّة موجات حرّ، ما فتح الباب واسعا أمام سيناريوهات عديدة، منها أن يكون شهرا تموز وآب متطرفين أكثر من شهر البداية، لكن هذا لم يحصل في الواقع، فقد مرّ شهر تموز رطبا ومزعجا، فيما لم يكن شهر آب- حتى الآن- قاسيا في حرارته ورطوبته.
كان تموز مشتعلا ورطبا هذا العام، فهل هذا يعني أنّه كان متطرفا كما العام السابق؟
لفت رئيس قسم التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي محمد كنج، لـ “الديار”، إلى أنّ تموز كان معتدلا نسبيا هذا العام، وتراجعت فيه درجات الحرارة، وبقيت ضمن المعدلات، وفيما كان هناك رطوبة في أغلب الأوقات، فإنّها لم تتجاوز 85%، و “هذا كان علامة فارقة عن السنة الماضية”، بينما كان شهر حزيران “لاهبا”، وقد شهدنا فيه موجات حرّ في البقاع، ولامست درجات الحرارة فيه 42 درجة مئويّة، وهي قلّما تحدث في هذا الشهر، فـ “حزيران هذه السنة كان هو الصيف”.
وهذه التوقعات- وفق كنج- قد بشّرت بها المنظمة العالمية للأرصاد الجويّة، حين تحدّثت عن تراجع ظاهرة “النينيو”، وهي ظاهرة “إضافية على الاحتباس الحراري”، تؤدّي إلى ارتفاع درجات الحرارة، علما أنّ تأثيرها ضعيف بمنطقتنا، وأضاف أنّ هذه الظاهرة تراجعت هذا العام، و “لمسنا التراجع منذ تموز”، بحيث دخلنا في تموز هذه السنة ظاهرة محايدة، تمهيدا للانتقال نحو ظاهرة “النينيا” أو ظاهرة “التبريد”، وهذا ما لمسناه في شهري تموز وآب من هذا العام، حيث لم تتجاوز درجات الحرارة فيهما المعدلات الموسمية.
آب بين الأمس واليوم
حول الفرق الحراري بين آب السابق والحالي، أعطى كنج مثلا حول البقاع حيث لم تتجاوز درجات الحرارة فيه هذه السنة 38 درجة، فيما تراوحت السنة الماضية بين 43 و44 درجة مئويّة، وتعرّض لنحو 3-4 موجات حرّ على الأقل، وكان هناك بحدود 10-11 يوما متواصلين لامست فيهم درجة الحرارة 40-44 درجة مئويّة، وبينما بلغت في زحلة البقاع في (10 آب 2023) بحدود 42 درجة مئويّة، سجّلت 35 درجة مئويّة فقط في اليوم نفسه من هذا العام.
وذكّر كنج بأنّ نسبة الرطوبة على الساحل كانت مرتفعة في شهر آب من السنة الماضية، ما أدّى إلى تلبّد السماء بالغيوم لنحو 3 أسابيع تقريبا، بينما لم نشهد هذه الظاهرة هذا العام، وأنّ كلّ المؤشرات تدلّ أن شهر آب من هذا العام هو ضمن و-أحيانا أقلّ- من المعدّلات، ففي بيروت ، لم تتجاوز الحرارة 32 درجة مئويّة منذ بداية الشهر حتى الآن، علمًا أن المعدّل الأقصى هو 33 درجة مئويّة، ولم تتخطّ نسبة الرطوبة 75 إلى 76% في بيروت، فيما تجاوزت 85% السنة الماضية، وأحيانًا تصل إلى أكثر 95%، و”هذا الأمر إيجابي” كما يقول كنج، وسيستمر الوضع على مدى 10 أيام من الآن من شهر آب، و” نحن نتحدث عن قلب الصيف آخر تموز وأول آب يعني هذا الشهر هو قلب الصيف”، وأشار إلى أنّ درجات الحرارة معتدلة نسبيا، ولا تظهر أيّ موجات حرّ في الأفق منذ الآن وحتى 20 آب، فهناك شبه استقرار على الساحل نتيجة استقرار كتل معتدلة نسبيا من تركيا شمالا “وهذا يلطف أجواءنا”، ودرجات الحرارة والرطوبة بشهر آب تحت المعدّلات أو ضمنها، تماما كمؤشرات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
وسط هذا الاعتدال في نسب الحرارة والرطوبة، هل يمكن الحديث هنا عن شتاء مبكر هذا العام؟
وإذ اعتبر كنج أنّه من المبكر الحديث حول ذلك، لفت إلى أنّ حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط لا تزال مرتفعة كما العام الماضي، وتبلغ بحدود 30 درجة مئويّة، وهذا برأيه يهيئ الأجواء لحدوث ظواهر، مثل الإعصار الذي ضرب “درنة” في ليبيا العام الماضي، وشرح أنّ استمرار ارتفاع درجة حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط مجدّدا هذه السنة، يمكن أن يؤدّي -مع بداية فصل الشتاء أو الخريف- إلى هطل أمطارغزيرة وعنيفة في بعض المناطق اللبنانية، نتيجة الاحترار الذي يشهده “المتوسط”، بحيث تتسبّب درجة الحرارة المرتفعة بضخّ كمية كبيرة من الرطوبة فوق البحر المتوسط على سواحلنا، وستؤدّي أيّ اندفاعة لكتلة باردة من تركيا، إلى ارتفاع الرطوبة في الأجواء، وتساقط الأمطار على السواحل اللبنانية أو المناطق القريبة من الساحل اللبناني، خلال وقت قصير، وتحدث سيولا وفيضانات.
ولم يستبعد كنج، تكرّر هذا السيناريو هذه السنة أيضًا، معللا ذلك، بأنّه مع ارتفاع درجات حرارة سطح مياه البحر المتوسط خلال هذا الصيف، تزداد معدلات التبخّر بشكل ملحوظ، مما يؤدّي إلى ارتفاع نسب الرطوبة في الجو، وقد تؤثّر هذه الزيادة في أنماط الطقس في المنطقة، ما يعزّز من احتمالية تشكل السحب الرعدية والعواصف القويّة والأنماط المتطرفة من طريقة تساقط الأمطار لناحية كميّة المتساقطات الكبيرة في وقت قصير خلال الخريف المقبل.
خلاصة القول… لا يمكن الجزم بحلول شتاء مبكر أو معتدل هذا العام كما حال الصيف اللبناني، الذي يغرّد -إيجابيا هذه المرة- خارج سرب الاحترار العالمي الذي يتفاقم بوتيرة مخيفة، وفيما ظاهرة “النينيا” تبرّد الأجواء اللاهبة وتلطّفها مناخيا، نأمل أن تنسحب هذه البرودة على الملفات اللاهبة على الساحة اللبنانية فتبرّدها طائفيا وحلا جذريا!