إنبلجت خيوط الصبح مع صلاة الفجر مجددآ والسيول زاكية، تَأَوَّى اليها الفين مِن نازحين ومئات مِن طيور هاجرة فضمتهم حجارة المكان نِتاج اندماج غزير دماء مع قشرة الاسمنت كصخور “تروفانتس” Trovants الحيَّة المتحركة، نزلوا مطمئنين في مدرسة التابعين مِن مطر قنابل حارقة ولم يسلموا..!
كان صباح المئة شهيد فجر العاشر مِن آب حيث التاريخ يستذكر سنة 70 م يوم احرق هيكل سليمان عَلى يد نبوخذ نصر ملك بابل، اذ اقدم سلاح جو العدو الاسرائيلي على قصف مبنى المدرسة الشرعية في حي الدرج وسط مدينة غزة… فيما شوهد بزوغ الشمس من مغربها فتشهّد المصلون، رفعوا السبابة ودمع الأعين يرنو إلى سماء الرحمة مستمطرة على أشلاء أطفال ونساء تناثر لحم أعضائهم وتشظت عظامهم بين جدران وزوايا فيما اهل الكوكب نيام والإنسانية فناء…!
حرب الإبادة مستمرة دون هوادة، المجرم نتنياهو ما زال يشحذ نصل ساطوره غير آبه بكل مساعي التهدئة ووقف اطلاق النار، ممارسآ خديعة متكررة على اعتياد، كلما لاحت فرصة إيجابية امام وفود التفاوض عمد إلى إفشالها مسبقآ بقتل وحشي يآخي آلام صلب الفادي، تدمير ممنهج مهول يجهض مقاربات إيجابية معيدآ مفاوضات الهدنة إلى مربعها الاول..!
في عهر لا مثيل له يقف المجرمون (نتنياهو- غالانت- بن غفير- سموتريتش)على شرفة العالم متهمين اهل الشهداء بالمبالغة في اعداد من ارتقوا، فكر وعقيدة صهيونية تستخف بالضحايا تعتبرهم حيوانات دَّبُوبُ والرمل لاسع..! أَ يبرر العدد الجريمة..؟ أَ يبرأ القتلة..؟ او يخفف حجم المَقْتَلة..؟، فيما الإدانة كما العقاب سراب اممي على ناصية بشرية عاق، هَجَرَها ضمير فبات وسادة مِن شوك لا حرير..!
المجزرة مشهدية مؤلمة تضاف بعد اشهر عشر مِن عدوان، دليل جنائي لثبوت جرمي ان النظام العالمي المركب عَلى مقياس اميركي وعداد منظمة الامم المتحدة ذات الاعاقة الدائمة كما المحاكم الدولية القاصرة يجمعها ماضٍ تليدٍ متوارث، شريعة الغاب تحكم وذئاب الجهل شاردة؛ لكن الآخ تعلو العويل “ما تمنينا البكاء يومآ لكن الغياب ابكانا” فلا تسَّل عن جامعة الدول العربية..!
تاليآ؛ بتوجيه استخباراتي كاذب اعلن الناطق باسم “الهاغاناه” الجدد ان عناصر مِن حماس تتمركز في المكان المستهدف.. هي ليست آخر ذبيحة ولا اغزرها دماء، شبق القتل عَلى ازدياد طالما الاتصالات الهاتفية عَلى خط بايدن- نتنياهو وبين بلينكن – غالانت تقتصر عَلى عبارات وقف التصعيد عَلى ما يعلن، فيما الدول الغربية والعربية تظهر بذلها جهودًا كبيرة على المستوى الدبلوماسي، لكن الحقيقة عارية في وقف الحرب مع إكتفاء بتعليق بضعة رحلات جوية وتحذير رعايا وحث على مغادرة..!
توازيآ، تتصاعد المخاوف وتتبادل التهديدات والتحذيرات بعد عمليتي اغتيال القيادي في حزب الله السيد فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، بالتزامن مع جمر انهيار نفسي استيطاني اعلن البنتاغون واجب المساعدة في الدفاع عن تل أبيب من هجمات إيران وحزب الله المنتظرة؛ دافعآ الاسطول الخامس الاميركي ومقره قاعدة المنامة بالبحرين الى المضائق الاستراتيجية (هرمز- باب المندب) والمحيط الهندي قبالة السواحل الايرانية، فيما توجهت القطع البحرية الضاربة التابعة للاسطول السادس ومقره نابولي الايطالية الى شرق المتوسط وتمركز قسم منها في المياه الاقليمية لفلسطين المحتلة..!
ماذا بعد انتظار يوم الخميس المقبل..؟ اتى البيان الثلاثي الاميركي- المصري – القطري ليشكل ثغرة يمكن استثمارها لوقف الحرب وفق ما ورد فيه: “أنه حان الوقت لإبرام إتفاق لوقف إطلاق النار في غزّة والإفراج عن الأسرى والمحتجزين” واذ يراهن نتنياهو عَلى تقويض الجهود الرامية لتحقيق الهدنة معتمدآ ميدانآ مشتعلآ في غزة وشمال اسرائيل يتزاوج مع الشروط الثلاث (لا سيادَة لحماس على غزة؛ لا انسحاب مِن معبري فيلادلفيا ونتساريم ولا عودة لنازحي شمال غزة دون تفتيش وتدقيق امني)؛ فالدعوة لاستكمال المفاوضات في 15 آب الجاري، ستكون كسابقاتها دون نتيجة عملية وملموسة..
في السياق، عَلى هوامش مساعي الاتفاق المرتقب لغط تآمري كبير وجهد استخباراتي يُفَعَل حول مقايضة بين اعطاء ايران بعض مصالحها الاستراتيجية مقابل عدم الرد عَلى الاغتيال؛ كذلك وقف لاطلاق النار عَلى الجبهة الجنوبية مع خفض وتيرة حرب غزة عَبرَ تنفيذ القرار 1701 مع بعض تعديلات تريح حزب الله..! اما قمة الخُبث العربي المتماهي مع الصهيوني فترويج لشائعة رفض او امتعاض بعض اعضاء المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج لإختيار يحيى السنوار قائدآ للحركة هدفه ضعضعة الفصائل المقاتلة علمآ ان انتخابه تم بالإجماع..!
اخيرآ؛ لا احتواء لمخاطر التصعيد ولا وقف للحرب عَلى غزة هي استراتيجية نتنياهو واركان جيشه.. رغم تخبط يسود ألوية الجيش، إذ وجه 71 ضابطآ جديدآ في الجيش الاسرائيلي رسالة علنية الى رئيس الاركان الجنرال هيرتسي هاليفي يطالبون فيها تنفيذ سياسة رئيس الوزراء وتحقيق انتصار كامل في حرب غزة.. فيما كبار ضباط هيئة الأركان العامة وجّهوا كتابآ ذو مضمون يعبر عن شعور بالإحباط “أن المستوى السياسي لا يضع أهدافاً سياسية واضحة للحرب على قطاع غزة، وأن الحرب تطول دون غاية استراتيجية – سياسية للأهداف التي يحققها الجيش الإسرائيلي!”
لا يتنظر أي عربي وفلسطيني يتحلى بالواقعية أن يكون سلامآ لا إستسلامآ مع الاسرائيليين؛ إن الذين يتخلون عن الحرية والقبول بالاحتلال المقنع مقابل هيمنة عدو وأمن مؤقت ممنوح لا يستحقون الحرية ولا الإستقلال..!
الكاتب: العميد منذر الأيوبي
عميد متقاعد، كاتِب وباحث.
موقع سفير الشمال الإلكتروني