حبيب البستاني*
شكلت عملية اغتيال اسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، منعطفاً خطيراً في تاريخ الحرب على غزة ولا سيما بين الدولة العبرية من جهة وبين حماس وإيران وحزب الله من جهة أخرى. ففيما اعتبر العدو الصهيوني أن هذه العمليات تشكل انتصاراً نوعياً لإسرائيل بحيث أنها استطاعت اقتناص شخصيتين استثنائيتين وذلك من خلال عمليات معقدة من الرصد والتحديد والمباغتة، وإذا كانت مثل هذه العمليات لا يمكن أن تتم إلا بتنسيق مباشر بين أكثر من جهاز فني وتقني في مختلف أنحاء العالم، هذه التقنيات التي تبدأ بالأقمار الصناعية ولا تنتهي عند حدود الاستعانة بشركات الاتصالات العالمية التي لا بد وأن تعطي مفاتيح الدخول إلى مختلف الشبكات والمكالمات. وبفضل هذه التقنيات أصبحت العمليات أشبه بلعبة فيديو حيث يظهر الهدف بوضوح وعندها ما على القناص إلا الضغط على زر التفجير والإطلاق.
جدوى الاغتيالات
بغض النظر عن الارتياح النفسي الذي شكلته هذه الاغتيالات عند العدو ولا سيما عند دوائر المخابرات من الشاباك إلى الموساد وما بينهما، فهل حققت هذه العمليات أهدافها وهل باغتيال هنيه تنتهي حركة حماس وهل باغتيال شكر تُقطع الذراع العسكرية للحزب وتهبط معنوياته؟ فيصاب عناصره بالهلع وبالتالي يصابون بالاحباط الذي يمنعهم من الاستمرار في القتال بوجود خطر حقيقي عليهم وعلى قادتهم. بعد العجز الإسرائيلي من تحقيق انتصارات مُبينة في غزة وبعد الإخفاق في تحقيق الأهداف المعلنة من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي وحكومة الحرب المصغرة ورئيسها، هذه الأهداف للتذكير كانت تقوم على إطلاق المحتجزين الإسرائيليين بالقوة من جهة وإخضاع حماس بالكامل وإنهاء وجودها العسكري في كامل قطاع غزة. بعد هذه الإخفاقات المتتالية كان لا بد للدولة العبرية من أن تقوم بعمليات تعيد لها ماء الوجه، ولو كان ذلك بواسطة أساليب وطرق تحاكي منطق الإرهاب في أكثر من جهة.
الاغتيالات استعادة لنسخة فلسطينية قديمة
هكذا نرى أن ما قامت به الدولة العبرية من اغتيالات بدت وكأنها تستعيد نسخة فلسطينية قديمة كانت سائدة في في ثمانينيات القرن الماضي، وذلك إبان وجود الفلسطينيين في بلدان الشتات في لبنان والأردن وسوريا غيرها. وهنا نستذكر عمليات منظمة أيلول الأسود في العام 1972 والتي كانت من مآثرها آنذاك عملية ميونيخ التي نتج عنها قتل أكثر من 11 رياضياً إسرائيلياً في دورة الألعاب الأولمبية، وما تبعها من عمليات اغتيال حدثت في أكثر من دولة وشملت أكثر من مسؤول. وكذلك لا بد في هذا السياق من استذكار وديع حداد قائد العمليات الخارجية في الجبهة الشعبية والذي كان العقل المخطط لتنفيذ عملية خطف طائرة لاندس هوت الألمانية التابعة لشركة لوففتهانزا في العام 1977 وغيرها من العمليات التي وصفت يومها بالإرهابية ونتج عنها قتل واحتجاز رهائن، وقد أطلق الدكتور حداد شعاره "وراء العدو في كل مكان". فهل عادت إسرائيل اليوم إلى اتباع هذه الأساليب "الإرهابية" نفسها التي كانت تصف الفلسطينيين بها. وهنا أيضاً وللتذكير أن عصابات الأرغون والهاغاناه اليهودية كانت تقوم بعمليات التهجير والقتل قبيل نشؤ دولة إسرائيل.
الاغتيال ماذا بعد؟
لقد اتضح أن اغتيال اسماعيل هنية لم ينتج عنه سوى تعيين يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس، مما يعني أن حكومة الحرب ستترحم على هنية بوجود السنوار المتشدد على رأس الحركة، فما كان ليقبل به هنية فالسنوار لن يقبل به بالتأكيد. وهكذا نرى أن الدولة العبرية وبعد فشل جيشها الجرار قد قالت وداعاً للميركافا لتستعيض عنها بالقنص، هذه الدبابة التي كانت في ما مضى رمز القوة البرية لجيشها، وأنه بات لزاماً عليها اليوم انتظار الرد الإيراني والحزب اللاهي على الاغتيالات، وبالتالي فلا عمليات الاغتيال ولا عمليات إرهاب المدنيين في بيروت لن يجديا نفعاً، وذلك بانتظار فعل لن تكون هي من يقرره.
كاتب سياسي*