سجلت عملية طوفان الاقصى نقطة مفصلية مضيئة في مسار القضية الفلسطينية، فرغم الدمار والقتل العشوائي المهول المرتكب من جيش الصهاينة على مدى تسعة اشهر وما بَرِحَ مستهدفآ قطاع غزة ارضآ وشعبآ محاولآ إطفاء جذوة المقاومة ومسارها المستجد، ثابر حزب الله على التزام قَواعد اشتباك مرنة مع جبهات المساندة الأخرى بصرف النظر عن الأثمان والاعتراضات!..
ثُم ان مجزرة مجدل شمس اتت لتواكب عودة نتنياهو من واشنطن ذريعة ضرورية امام الرأي العام ووسيلة انفكاك من ضغوطات دولية واممية تحاول لجم تهوره، تسمح له عَلى ما اعتقد فتح خيارات مواجهة أوسع مؤداها فتنة سنية – شيعية في الداخل اللبناني، وإرتماء لأهل الجولان (الدروز) في احضان القاتل طلبا للحماية.. وإذ تلمس خُسُوءًا فرضته حكمة جنبلاطية وعقلاء الطائفة الدرزية الكريمة، سارع إلى إكمال مخططه موافقآ على عمليتيّ اغتيال كل من القائد العسكري الاول في حزب الله فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، سندآ لمعطيات الرصد من الوحدة الاستخباراتية 8200 (SIGINIT) المسؤولة عن التجسس الإلكتروني..
تاليآ؛ في حمأة عدوان تجاوز خطوطآ حمراء مفترضة اضحت كافة الاحتمالات مفتوحة، انتهت مرحلة ما يسمى “قَواعد الاشتباك”.
لَيس امام المقاومة ومحور الممانعة سِوى المواجهة المفتوحة، سقطت كل فرضيات التسوية وثبت نهج مماطلة ثعلبية يُمَارس غدرآ، لا رهانات على وسطاء العرب او العجم، كما لم يعد مِن معنى لديبلوماسية التحذير ونصائح التهدئة التي ترعاها بالإجمال واشنطن في العلن وبعض دول الاتحاد الاوروبي ودول الانفصام العربي..
اذن، المرحلة تستوجب حَتمَآ تغيير معادلة يحاول العدو ان يفرضها مِن صنف القتل بالتقسيط في العمق الذي يريد وبالاهداف النوعية التي ينتقيها او يستطيع ان يطالها.. هذه المعادلة يستوجب اسقاطها إن هي بالنتائج في جزء منها لمصلحة نتنياهو الشخصية باب إتقاءِ سقوط سياسي وتصفير مسؤولية جنائية، ثم تعويضآ عن فشل انتصار ناجز في ستالينغراد فلسطين..!
من جهة اخرى؛ محور المقاومة في نقطة اللاعودة، لم يعد من قيمة لتساؤلات عن حرب مفتوحة او مضبوطة مؤداها توقعات تهضم اوقاتآ لا يمكن استرجاعها تملأ شاشات هراءً؛ تدخل في خانة التخدير ان أسأنا الظن، او عَلى ناصية التريث “للزمكان المناسب” ضمن حالة الصبر الاستراتيجي المستهلكة..
لا مناص من القول ان شجاعة التضحية والعنفوان تفرض تلافي جفاف مياه طوفان الأقصى، اذ بات رفدها بشراكة القتال الكاملة حق لا يعلى عليه.. على ما هي فلسطين القضية القبلة وامام مئة وخمسون الفآ من شهداء وجرحى فليكن الثمن غاليآ وهي تستحق.. الشهيد هنية دفع ثمن مؤتمر المصالحة في بكين وما نتج عنه من مقررات تذهب نحو حكومة وحدة فلسطينية؛ كما ثمن صلابة موقف بذكاء مفاوض في وجه وليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات الاميركية CIA ويوسف مائير كوهِن رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي خلال اجتماعات التفاوض حول مشروع التسوية ووقف اطلاق النار ..!
النضال على مذبح القضايا الكبرى المحقة لا يفرمله او يسقطه استشهاد قادة مِن صنف السيد محسن؛ فالمؤكد ان اجيالآ ستحيا عَلى شرف الانتصار بدل نزيف الدماء المستمر.. ثُم ان الحال استحال عَلى قول المثل العامي “اذا لَم تكبر لَن تصغر”.. الميدان وكبر التضحيات سيفرضان ديبلوماسية صنع التسوية مع حل الدولتين ولو عَلى مراحل، سَتكون خريطة المنطقة الجديدة بتعديلاتها مفروضة من المقاومة واهلها أو على الأقل بموافقتها وليس رغمآ عنها..!
في عين الصبح باقٍ اقليم على صفيح ساخن؛ وفي ذروة إستنفار امني تهتز اسس الكَيان باقتحام مستوطنين قاعدة (سديه تيمان) العسكرية غوانتنامو اسرائيل.. الأصابع الاستخباراتية المتعددة على تناقض مصالحها الاستراتيجية ستدفع نحو مزيد من الفوضى، تصعيد حربي غير مسبوق بموازاة تصفية ادمغة وقيادات؛ بعد ان فرطت التحالفات وقسمتها ازواجآ Couple ترقص التانغو على خشبة الاقليم مع تبديل مفاجئ حينآ او متوقع أحيانآ للشريك عَلى ما فعل الرئيس التركي اردوغان ..!
الحقيقة عنيدة مهما استدار الزمن او عَبَر؛ أطفال غزة وأيتامها اجيال من مقاومة تتوالد.. الخطر على الكيان الغاصب باقٍ، انه على مقصلة الزوال إن لم يذعن لجزء من حق (مؤتمر القمة العربية- بيروت 2002 ومبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبّد العزيز) ودون ذلك سراب سلام ووهم انتصار..! رحم الله الشهداء …
الكاتب: العميد منذر الأيوبي
عميد متقاعد وباحث سياسي وإستراتيجي..
موقع سفير الشمال الإلكتروني