أول ما تعرّفت عليه في مرج الزهور، عندما أبعد الكيان الغاصب كل قيادات الانتفاضة، وكانوا 415 ناشطاً إسلامياً فلسطينياً من الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان. كان ذلك في 17 ديسمبر من عام 1992م حيث رفضوا دخول لبنان ومغادرة نقطة الإبعاد ونصبوا مخيّمهم هناك.
زرتهم عدة مرات وأقمنا عندهم لأيام وخلال آخر زيارة لنا تعرّض محيط المخيم حيث كنّا لقصف مدفعي، ألحّ الدكتور الرنتيسي عليّ وعلى الأخ أبو بكر عمر الأيوبي بالمغادرة، فغادرنا.
رجالات من عالم آخر مجرّد ذكر أسمائهم يصنّفك في خانة التطرّف، لكنهم في الحقيقة أطباء ودكاترة جامعات ومهندسين، كان من بينهم عبد العزيز الرنتيسي وإمام الأقصى حامد البيتاوي وأبو العبد هنية وعبدالله الشامي والدكتور بسام الجرّار صاحب التفسير الرقمي للقرآن.
أراد العدو بإبعادهم إلى لبنان إطفاء جذوة الانتفاضة لكنها تحولت إلى منحة وكانت من الخطوات الأولى لتشكّل المحور إذ تعرّفت قيادة الانتفاضة بكل أطيافها على لبنان بكل مكوّناته.
بعد الضغط الدولي رضخ الكيان وقرّر إعادتهم بعد أسبوع، فتحوّل إلى أسبوع للعلاقات العامة، لا أنسى كيف كانوا يأتون ليلا إلى بيروت وبعلبك وإلى طرابلس الفيحاء شخصيات من غير زماننا، زاروا الدكتور فتحي يكن والشيخ الأمير سعيد شعبان.
بعد ذلك التقيت القائد إسماعيل هنية في عدة مؤتمرات وخلال لقاءات خاصة في عدة دول. كان بهيّ الطلعة سمح الوجه بسمته لا تفارق وجهه رغم ما عانى ككل الشعب الفلسطيني، نديّ الصوت حين يقرأ القرآن،
في لقائنا الأخير، وكان خلال مؤتمر في الشهر الثاني من هذا العام دعما لطوفان الأقصى، يومها حادثته وصلّيت خلفه وخلال دردشة قال لي أتعرف أننا آخر أيام الإبعاد زرنا والدكم مودّعين وتناولنا عندكم العشاء ثم حكى لي عن لحظات ذلك اللقاء …
نعم إنه أبو العبد إسماعيل هنية ذلك الذي ولد ككل فلسطيني في المخيمات وترعرع في سجون الاحتلال وناضل كما ناضلوا، طاف العواصم واستشهد ككل القادة وهو يعمل من أجل الشعب الفلسطيني ولجلب الحرية لأمة مستعبدة ميتة.
-هل تعلم من كان يمدّهم بالطعام والخيام خلال قرابة سنة من الإبعاد؟
– هل تعلم من كان يقوم على رعايتهم الصحية ونقل مريضهم إلى المستشفيات عند الضرورة؟
– هل تعلم من كان يدخلهم لزيارة مخيمات لبنان والتنقل بين عاصمته وشماله وجنوبه؟
– هل تعلم بأي سيارات كانوا يتنقلون؟
– باختصار أقول لعلّ مخيم مرج الزهور كان من البدايات الأولى للمحور الذي تشكّل ويقاتل اليوم ويتصدى لأشرس حرب عالمية، أدواتها إدارة الشر الأمريكي ودولة الاحتلال وأبو رغال الجاهلية العربية وصمتنا الشعبي القاتل.
أمنية كل مجاهد صادق أن يختم له بخير ، وخير الخير الشهادة.. طلبها بصدق فنالها… تقبله الله تعالى وختم لنا بمثل ما ختم له.
موقع سفير الشمال الإلكتروني