لم تنم بلدة مجدل شمس السورية المحتلة الواقعة على سفوح جبل حرمون المنتمي سكانها إلى الطائفة الدرزية الكريمة بعد (استهداف او سُقوط عرضي) لصاروخ ذو رأس متفجر ادى إلى استشهاد 14 شخصآ جلهم من الأطفال والفتية وإصابة 30 شخصآ بجروح متفاوتة الخطورة.. ومع توافد سيارات الإسعاف إلى مكان المجزرة كانت رشقات الاتهام توجه من رئيس حكومة العدو ووزراء مجلس الحرب والقيادة العسكرية نحو حزب الله مؤكدةً مسؤوليته عن الجريمة.. وإذ نفى الحزب اية علاقة له بالعملية تسارعت التهديدات الاسرائيلية ان الرد سيكون قاسيآ عَلى الحزب ولبنان سواء بسواء..!
في قراءة الواقعة بالأبعاد الثلاث يتبين التالي:
-التوقيت تزامن الحادث مع وجود نتنياهو في واشنطن للحصول عَلى دعم تسليحي متميز كما على موافقة ضمنية بتوسيع الحرب على الجبهة الشمالية. واذ تلمس صعوبات نيل ما يريد بالكامل دفع جيشه كالمعتاد نحو ارتكاب مجزرة تمنحه حرية حركة شبه ذريعة شن حرب مفتوحة عَلى الجنوب اللبناني..
-سُقوط مُسبق لاية نتائج ايجابية قد تصدر عن إجتماع روما الرباعي الذي سينعقد اليوم الاحد ويضم رؤساء الاستخبارات الاميركية؛ المصرية؛ الاسرائيلية اضافة إلى المسؤول القطري، ضمن إطار محادثات ارساء الهدنة في غزة ووقف الحرب وتبادل الاسرى.. سيَما بعد ان استبقه نتنياهو بمطالب جديدة زعم انها ستفرض ضغوطآ اضافية عَلى حركة حماس..
-في البعد الدرزي الأهم الدم المسال رسالة الى دروز لُبنان ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط بصورة خاصة، ذلك اثر انتقاد وجهه الاخير الى الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في فلسطين الشيخ موفق طريف، على خلفية استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو..
اذ رأى جنبلاط في الخطوة انها «تضر بالموحدين جميعهم في فلسطين كما في لبنان وسائر الدول»، كما اعتبر ان «الشجاعة التي هي أيضا من شيم أبناء الطائفة، والتي نعهدها بكم، كانت تقتضي عدم استقبال نتنياهو في ظل كل ارتكاباته، واتخاذ الموقف الصريح ضد ما يقوم به”..
اتى مختصر الرد في حينه مِن الشيخ طريف معلنآ حرصآ على نقاء الطائفة وهويتها التوحيدية وتاريخها ومستقبلها، موضحآ “ان حال الدروز كحال سائر المواطنين العرب في إسرائيل، نحن في هذه البلاد (اسرائيل) نعيش بحرية واحترام لا نخاف ولا نهاب احد، ولا نتردد في اتخاذ أي موقف لمصلحة الطائفة. مواقفنا ومبادئنا الشريفة والواضحة معروفة للقريب والبعيد، ولن نرضى أن يزايد عليها أحد”..
في السياق؛ اثر عملية “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة التي شنها جيش العدوان على أهالي غزة وجه وليد جنبلاط رسالة “تحذير” إلى المجندين من العرب الدروز في الجيش الإسرائيلي، وطالبهم عدم المشاركة في الحرب بمواجهة حماس والشعب الفلسطيني.. قائلآ في حسابه على متصة “إكس” : الى المجندين قهرآ من العرب الدروز في الجيش الاسرائيلي في فلسطين المحتلة “إياكم الاشتراك في الحرب في مواجهة المناضلين من حماس ومن الشعب الفلسطيني، إن حركة التاريخ مهما طالت مع حرية الشعوب، سيأتي اليوم الذي ستعود فلسطين ومقدساتها إلى إصحابها العرب”..!
في ضوء ما تقدم ووفق “نظرية من المستفيد.؟” فإن جملة تقاطعات تشير الى ارتكاب جيش العدو العملية لَيسَ اقلها اشعال فتنة درزية-شيعية في لُبنان، كما تُصفير اي تردد او تململ لدى دروز فلسطين ضمن قناعة عيش انتماءً وولاء لدولة اسرائيل ما يجعل هوية الصاروخ الجاني تحت شعار نجمة داوود..! توازيآ وصل رئيس الأركان الجنرال هرتسي هاليفي مساء أمس الى بلدة مجدل شمس متفقدآ مكان الهجوم (ملعب كرة القدم) ثم التقى زعيم الطائفة الدرزية في اسرائيل الشيخ موفق طريف ومندوبين عن السلطات المحلية وقائد المنطقة الشمالية يرافقه العَميد صهيون يرتزون قائد الفرقة 210 “باشان” المتمركزة في مرتفعات الجولان..!
من جهة اخرى؛ نفى حزب الله في بيان بشكل قاطع اي علاقة له بالقصف الصاروخي عَلى البلدة، مؤكدآ ان الصاروخ اطلقته بطاريات القبة الحديدية الدفاعية مما تسبب في المجزرة اثر سقوطه في ملعب البلدة.. فيما اعلن جيش العدو عَلى لسان الناطق باسمه افيخاي ادرعي ان القائد الميداني في حزب الله علي محمد يحيى مسؤول عن استهداف مجدل شمس والاخير قائد مجمع الاطلاق الصاروخي في منطقة شمال شبعا..!
تاليآ؛ مِما لا شك فيه ان فرضية اتهام حزب الله بالحادث فيما لو صحت لا تعني الفعل القصدي المتعمد فيما المقصد احدى الاهداف العسكرية (ثكنة كيلع- قاعدة يردن) في محيط عشرة كيلومترات من البلدة.. ورغم ان الخطأ سيكون ثمنه مؤلمآ
على لُبنان فهو اكثر إيلامآ عَلى الكَيان المحتل.. هذا ما كان يحذر منه قائد قوات الامم المتحدة العاملة في جنوب لُبنان UNIFIL اضافة الى مسؤولين عسكريين وديبلوماسيين..!
في الاطار الرسمي، شهد الليل المنصرم استنفارآ سياسيآ لجهة محاولة خفض التوتر عَلى الحدود الجنوبية مِن قبل رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي وذلك عَلى المسلكين الفرنسي والاميركي خشية تدحرج الامور الى الأسوأ..! فيما بدا ان تفعيل الماكينة الديبلوماسية اللبنانية يواجَه بطلب وقف اطلاق النار عَلى الجبهة الجنوبية وفك ارتباطها بحرب غزة مع وضع جدول زمني فوري لتطبيق القرار 1701 مجددآ؛ عودة الى وضعية ما قبل السابع مِن اكتوبر 2023 عَلى الاقل..!
من واشنطن اعلن جهاز المخابرات الاميركية CIA عن تطابق تقييمه مع تحديد جيش العدو مسؤولية حزب الله عن استهداف مجدل شمس. فيما كشف المتحدث باسم الجيش دانييل هاغاري ان الصاروخ ايراني الصنع “طراز فلق 1 يحمل رأسآ متفجرآ زنة 53 kg” .. موقع AXIOS نقلآ عن مصادره اشار الى ان الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق مِن توسع الحرب وتحولها اقليمية مدمرة.
في الاثناء لا يَبدو ان حزب الله يفتش عن مخرج لوقف جبهة الإسناد الجنوبية مع اشتداد الكباش الاقليمي والترويج لجهوزية الوية العدو للمرحلة الثانية مِن حرب الشمال.. في ظل التوتر المتصاعد سينعقد مجلس الحرب المصغر السادسة مِن مساء اليوم برئاسة نتنياهو وعليه سيبنى المرتقب ميدانيآ ومدى نجاح مساعي التهدئة لبقاء المواجهة ضمن الخطوط المرسومة..!
الكاتب: العميد منذر الأيوبي
عميد متقاعد؛ مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية