تُظهر الحكومة اللبنانية اطمئناناً مسبقاً إلى التمديد المضمون من دون تعديل لولاية القوة الدولية العاملة في الجنوب “اليونيفيل” في مجلس الأمن الدولي في منتصف آب (أغسطس) المقبل، الأمر الذي كان موضع “تثبت” خلال زيارة وزير الخارجية عبد الله بو حبيب إلى نيويورك قبل أيام وأبلغ حصيلة ما استجمعه في لقاءاته هناك إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد عودته الى بيروت.
هذا المؤشر وإن كان متوقعاً، سيشكل بالنسبة إلى لبنان علامة إضافية على أن الاسرة الدولية لا تزال متمسكة بدور “اليونيفيل”، وتالياً العودة الى التزام تنفيذ القرار 1701 كوسيلة حصرية أساسية لوقف المواجهات الميدانية الجارية في الجنوب منذ تسعة اشهر. ولكن الاستعدادات للتمديد لليونيفيل لن تكفي لبنان وحدها لدفعه إلى النوم على حرير التمديد فيما يُسجل الوضع الميداني والمواجهات بين إسرائيل و”حزب الله” مزيداً من التصعيد ومبارزات يومية في توسيع رقعة المواجهات والقصف والغارات وتعميقها.
ولذا ستكون الأنظار اللبنانية مشدودة في الساعات المقبلة إلى تطورين يعنيان لبنان مباشرة ومسرحهما الولايات المتحدة الأميركية. التطور الأول، يتمثل كما هو معروف ومنتظر في الخطاب الذي سيلقيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي والمناخ الذي يغلفه، ومضمونه السياسي “والحربي” الذي من خلاله سيكون ممكناً إلى حدود بعيدة استشراف نيات إسرائيل حيال مسار الحرب في غزة وعبرها خططها حيال الجبهة الشمالية على الحدود مع لبنان، ولو أن كثراً من المراقبين يعتقدون أنه من غير الضروري أن تكتسب هذه المحطة طابعاً تقريرياً حاسماً للحربين في غزة والجنوب اللبناني لأن “الزلزال” الانتخابي السياسي الحاصل في الولايات المتحدة بعد تنحي الرئيس جو بايدن أثار إعصاراً مربكاً حتى في وجه نتنياهو لن يمكنه من استثمار زيارته على ما كان يخطط له قبل تنحي بايدن.
وقد برزت في هذا السياق دلالات خطيرة للمعلومات التي كشفت أن وزير التربية الإسرائيلي يوآف كيش أخطرَ رؤساء المستوطنات التي تم إخلاؤها على الحدود مع لبنان بإلغاء العام الدراسي المقبل في مستوطناتهم. وقال كيش لرؤساء السلطات المحلية في المستوطنات الشمالية إن “الطلاب من المجتمعات الشمالية التي تم إجلاؤها بسبب الحرب لن يتمكنوا من العودة إلى المدارس في مسقط رأسهم في شهر أيلول (سبتمبر) وسيواصلون بدلاً من ذلك الذهاب إلى المدارس في كل أنحاء إسرائيل، ويرجع ذلك إلى التعقيدات الأمنية في المنطقة، التي تتعرض لإطلاق صاروخي متواصل وهجمات بطائرات من دون طيار من قبل حزب الله”.
ووصف كيش قرار عدم بدء العام الدراسي في المستوطنات الشمالية المتضررة بأنه “مؤسف” ودعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى “التحرك الآن وبقوة ضد دولة لبنان”. واعتبر أنه “لا مفر من قرار شن حرب واسعة النطاق على لبنان من أجل استعادة السلام والاستقرار لسكان الشمال ومن أجل مستقبل دولة إسرائيل”.
وأما التطور الآخر، فهو يتصل بجلسة الإحاطة لمجلس الأمن الدولي حول المشاورات المتصلة بتنفيذ القرار 1701 اليوم حيث من المقرر أن تقدم إحاطتان لكل من المنسقة الخاصة للبنان جينين هينيس – بلاسخارت ووكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان – بيار لاكروا وهما إحاطتان ستعكسان الخطورة الكبيرة التي تظلل الوضع في الجنوب اللبناني وتشددان على ضرورة احتواء التصعيد والانزلاق إلى الحرب بتنفيذ القرار 1701.
وفي هذا السياق أشار المتحدث باسم اليونيفيل في لبنان، أندريا تيننتي إلى “أننا نعمل على خفض التصعيد على الحدود بين لبنان وإسرائيل”. وقال: “قواتنا تراقب الأوضاع على الحدود بشكل دائم، ومن الصعب توقع مسار التصعيد بين إسرائيل وحزب الله”.
المعارضة والجنوب
وعشية المشاورات التي سيجريها مجلس الأمن حول تطبيق القرار 1701 التقى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بلاسخارت. واستمعت الى “موقف “القوات” الداعي منذ عملية “طوفان الأقصى” الى التطبيق الفعلي للقرار 1701 لا سيما وأن فتح “حزب الله” الجبهة الجنوبية أدى إلى المزيد من الحروب والمآسي والدمار المجاني للجنوب وأهله من دون التمكن من تجنيب غزة الاجتياح والهدم شبه الكلي والتهجير.
كما تم بحث موضوع الانتخابات الرئاسية والتعطيل الذي يمارسه “الثنائي الشيعي” وأن الحل يكمن بالتزام رئيس مجلس النواب المسار الدستوري والدعوة إلى جلسة انتخابات بدورات متتالية، حيث لا مانع لدى القوات أن تُجرى مشاورات بين الكتل خلال الدورات الانتخابية حتى الوصول في نهاية المطاف إلى انتخاب رئيس من دون المس بالدستور أو إرساء أعراف مخالفة له”.
وفي اطار المواقف المعارضة، اعتبر المكتب السياسي الكتائبي “أن السكوت عما يحصل في الجنوب والمعاناة التي يتكبدها أهله بات جريمة بحق بلد تستباح سيادته وأمن اهله بكل الطرق”. ولفت إلى “أن مخازن الأسلحة المخبأة بين البيوت على غرار ما ظهر في عدلون لا يخدم ما يسمى اسناد غزة بشيء بل يشرّع الباب أمام الاعتداءات الإسرائيلية ويحوّل اللبنانيين إلى دروع بشرية حماية للسلاح”.
وحمّل الحكومة “مسؤولية انفلات الأوضاع بالتعامي عن واقع أن الجنوب تحوّل إلى أرض تدور عليها حرب مفتوحة تحت أعين دولة عاجزة ومتقاعسة عن حماية اللبنانيين وصون أمنهم وترفض حتى طرح الموضوع للمناقشة أمام الرأي العام”. وشدّد على ضرورة الاستجابة للعريضة التي تقدم بها نواب المعارضة والتي تطالب رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعقد جلسة مناقشة حول مسألة الحرب القائمة وتداعياتها.
جولات تصعيدية
وسط هذه الأجواء، شهد الوضع الميداني على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية جولة جديدة من التصعيد والمبارزات بالقصف المدفعي والغارات الجوية والقصف الصاروخي. وقد استهدف الجيش الإسرائيلي بالمدفعية 7 بلدات في قضاء مرجعيون وشبّت حرائق في حرج مركبا بسبب القذائف الفوسفورية. واستهدفت مسيّرة اسرائيلية سيارة بيك آب على أطراف بلدة شقرا باتجاه وادي السلوقي وتوجهت فرق الاسعاف إلى المكان المستهدف، وأفيد عن سقوط قتيل وجريح. كما استهدفت غارة إسرائيلية بلدة كفردجال وطاول القصف المدفعي أطراف بلدة حولا.
وتعرضت خلة وردة عند أطراف بلدة عيتا الشعب الجنوبية لقصف مدفعي متقطع مصدره مواقع الجيش الإسرائيلي المقابلة. واستهدف قصف بالقذائف الحارقة بلدة مركبا. وقام الجيش الاسرائيلي بعملية تمشيط بالأسلحة الرشاشة الثقيلة باتجاه كروم الزيتون في بلدة بليدا ما تسبّب باندلاع النيران فيها. وخرق الطيران الحربي جدار الصوت على علوّ منخفض فوق بيروت وضواحيها وخلدة والحدث وعرمون والدامور والجية واقليم الخروب، وصولاً الى كسروان ومنطقة جزين، محدثاً صوتاً قويا.
في المقابل، أفيد عن هجوم صاروخي شنّه “حزب الله” على كريات شمونة وأعلن الحزب أنه “رداً على اعتداء العدو الإسرائيلي الذي طال المدنيين في بلدة حانين وإصابة عائلة فيها أدخلت المقاومة الإسلامية على جدول نيرانها المستعمرة تسوريال وقصفتها لأول مرة بعشرات صواريخ الكاتيوشا”. وقصف الحزب قاعدة نيريا للمرة الأولى وهي تقع شمال غرب قاعدة ميرون الجوية في الجليل الغربي ومقر قيادي يتبع لقيادة المنطقة الشمالية، وتشغلها وحدة من لواء غولاني. كما أعلن الحزب لاحقاً أنه قصف مستوطنة كريات شمونة بعشرات صواريخ الكاتيوشا.