بمناسبة الاستعداد للاحتفال بمئوية الحزب الشيوعي اللبناني، رفع شيوعيون من مختلف المناطق الصوت بوجه القيادة الحالية، محملين إياها مسؤولية انهيار الحزب. وأصدروا نداءً باسم "شيوعيون من أجل مؤتمر إنقاذي". طالبوا فيه بالأعداد لمؤتمر ينقذ الحزب من أزمته المستفحلة.
إنقاذ الحزبالمعترضون في الحزب الشيوعي أكثر من الراضين على حزبهم، ولكل جهة أسبابها. لكن المختلف أن هذه المجموعة التي وقعت النداء تضم قيادات حالية في اللجنة المركزية للحزب وأمناء عامين سابقين وقيادات وسطية ومسؤولي مناطق وأعضاء من كل المناطق اللبنانية. ووفق ما أكد أحد القياديين لـ"المدن"، الهدف من النداء هو حث القيادة على إشراك جميع الشيوعيين في إنقاذ الحزب من الأزمة الحالية.
يعترف القيادي بأن أزمة الحزب عميقة ومزمنة لكن برأيه القيادة الحالية التي تسلمت الحزب منذ ثمانية سنوات، تتحمل مسؤولية عدم الإقدام على أي خطوة لإنقاذ الحزب. لا بل على العكس من ذلك، مارست هذه القيادة سياسة الطرد التعسفي لكل شيوعي معترض لا سيما أن عدد الشيوعيين المطرودين بالعشرات منذ تسلم زمام القيادة الأخيرة، كما أكد، مضيفاً أن القيادة لم تنصت لكل النداءات السابقة. وحذّر من أنه في حال لم تتجاوب القيادة الحالية فوراً مع مطالبهم ستتحمل مسؤولية ما ستؤول إليه الأمور!نص النداءوجاء في نص النداء: "تحلّ مئويةّ حزبنا الشيوعيّ اللبنانيّ ولبنانُ يشهد أزمة سياسيةّ واقتصادية واجتماعية هي الأصعب منذ الاستقلال حتى اليوم. ويتعرّض منذ تسعة أشهر لعدوان اسرائيليّ غاشم، يمتدّ من جنوبه ليشمل مناطق واسعة من البقاع وصولاً إلى ضاحية بيروت الجنوبيةّ، في حين يشهد قطاع غزّة خاصة، وفلسطين عامّة، حرب إبادة يشنها العدو على الشعب الفلسطيني، مقابل صمود بطولي اعاد وضع القضية الفلسطينية في مقدمة المشهد العالمي، وافسح في المجال امام توحد كل القوى المناهضة للاحتلال الاطلسي الصهيوني في المنطقة استكمالا للمسار التحرري، ما يجعل المنطقة مفتوحة على الاحتمالات كافة التي سيتقرر فيها مصير المنطقة الى أجيال قادمة، بالإضافة إلى ما يجري على الصعيد العالمي من صراع وتحوّل نحو إسقاط هيمنة القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من ثلاثة عقود نحو عالم متعدد الأقطاب.
وقد ناضل حزبنا الشيوعي اللبناني على امتداد قرن من الزمن، وقاد المعارك الوطنيةّ والسياسيةّ والاجتماعية، من معركة الاستقلال إلى المعارك الطبقيةّ في مختلف المجالات، ومن الحرس الشعبيّ إلى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، الى عدوان 2006، وقدّم آلاف الشهداء والجرحى والأسرى والمعوَّقين، وفي طليعتهم أميناه العامان الشهيدان فرج الله الحلو وجورج حاوي. وبات من أولويات نضالنا اليوم أن نحفر لأنفسنا مكاناً فاعلاً في هذه المواجهة، وأن نتايع مسيرة حزبنا بانسجام تام مع تاريخنا ودورنا لبنانياً وعربياً وعالمياًّ. بَيدَ أن الحزب – في واقعه الراهن – غير قادر على النهوض بمتطلبات المرحلة، ولا على احتلال الموقع الذي ينبغي له أن يكون فيه، ما يجعل وضعه المستقبلي مفتوحاً على المجهول؛ ذلك ان التراجع الذي شهده الحزب لأسباب موضوعية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، مروراً بانهيار الحركة الوطنية، والهيمنة الدولية والإقليمية على لبنان في ظل تفشي الصراعات الطائفية والمذهبية، وبخاصّة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريريّ، مع ما أضافته قيادات الحزب المتتالية من أخطاء، لم يحل دون مقاومة الشيوعيين لظروفهم بعناد وأمل، فحافظوا على حزبهم وأبقوه حاضراً وفاعلاً، واضح الموقف، في مختلف الميادين الوطنية والسياسية والاجتماعية، إلا أنّهم مع القيادة الحاليةّ باتوا في غربة تامة عن دورهم وموقعهم وتاريخهم، بسبب الأخطاء الكثيرة التي ارتكبتها، والانحرافات الخطيرة التي عمقت أزمة الحزب بدل حلها، خصوصاً بعد انتفاضة 17 ت1 عام 2019، حيث انكشف مدى عجز القيادة عن تحليل وفهم ما يجري، وعن إدراك طبيعة الانتفاضة وقواه، فغيبت دور الحزب وحضوره، وأغفلت الحد الأدنى من التمايز المطلوب. وبدل طرح شعاراتنا الخاصة تبنت بسذاجة ظاهرية وتواطؤ ضمني شعارات الأجنحة الأكثر رجعية في النظام اللبناني ومنظمات "إن جي أوز"، ورفضت أي شكل من أشكال تنظيم الانتفاضة رافعة شعار " الشعب يقود نفسه بنفسه". وهذا يتناقض مع ألف باء السياسة، فضلاً عن غرابته عن مفهومنا للصراع السياسي والطبقي. وقد تحوَّل الحزب وبعض قوى اليسار، نتيجة غياب الرؤيا، وعدم القدرة على تحديد الأولويات والتحالفات، الى "ديكور" ملحق بانتفاضة توجهها غرفة عمليات إن جي أوز وارتباطاتها.
ثم جاءت الانتخابات النيابية كمحطة ثانية كبرى بعد الانتفاضة لتكشف مدى ابتعاد القيادة عن برنامج الحزب المُقرّ في مؤتمره الأخير، ومدى التشويه الذي ألحقه بصورته الشعبية عبر جعله مطيَّة لوصول الآخرين ومنهم المتلبسون زوراً عنوان التغيير، وهم ملحقون بأجهزة إقليمية ودولية معروفة. وبدل أن تطرح القيادة مشاركتها في العملية الانتخابية كجزء من عملية إعادة بناء حركة شعبية ثورية في لبنان، جعلت هذه العمليّة هدفاً قائماً بذاته، صبَّ في مصلحة أعداء التغيير الفعلي في لبنان. ولتغطية هذا الانحراف النظري والعملي أقدمت قيادة الحزب على ممارسة مفهوم للتحالفات بعيد عن أصول التحالفات الحزبية في مفهومها الطبقيّ التي تعلمناها ومارسناها في الحزب كابراً عن كابر، يقوم على مبدأ التقاطعات الظرفية في مواجهة جناح من السلطة بالاتكاء على جناح آخر، هو الأكثر ارتباطاً بمخططات الغرب وامتداداته في المنطقة ولبنان. وعند انكشاف هذا الامر (الفضيحة) قالت إننا صوتنا لمرشحنا على اللائحة. واستمر هذا النهج بالانحراف والابتعاد عن مواقف الحزب بعد عملية طوفان الأقصى؛ فمارست الدعم الكلامي فقط للشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان، وأصدرت نداءها التاريخي بعد شهر، وعقدت لقاء طارئاً للأحزاب اليسارية العربية بعد شهرين، وراحت توزع المهام على الآخرين، وتكيل الاتهامات لقوى أخرى، وانتقلت بخجل من اتهام المقاومة بالتطبيع الضمني بعد الترسيم البحري الى استنتاج التطبيع البري...الخليست تلك الانحرافات السياسية التي انزلق اليها الحزب مجرد أخطاء عابرة، بل تعبيرٌعن انحراف بنيوي فكري ـ سياسي، ترجمته قيادة الحزب الحالية في ممارستها خلال ثماني سنوات. وهذه الممارسة معطوفة على العجز عن صياغة برنامج نضالي ومهمات تحقيقه، هي المسؤولة عن ضياع الشيوعيين، وإيصالهم الى حالة الغيبوبة التي نحن عليها اليوم.
إنّ إدراك الشيوعيين حقيقةَ الأزمة التي يعيشها الحزب في ظل القيادة الراهنة أو القسم المهيمن على القرار فيها، تدفعهم إلى الإعراب عن قلقهم وخوفهم على مصيره، وإلى البحث عن السبل الكفيلة بتجاوز المرحلة، لذا يُعتبَر أهمُّ إنجاز للشيوعيين في مئويةّ حزبهم اليوم هو العمل على وقف المسار الانحداري الذي بلغه الحزب، وعلى إعادته الى موقعه ودوره الطبيعي المنسجم مع تاريخه ونضاله الطويل. وإذْ لا تستطيع قيادة الحزب الراهنة أن تدّعي أنها جديرة بهذه المهمة، وهي التي أوصلت الحزب الى ما هو عليه، مثلما لا يمكن لغيرها أن يدّعي استنهاض الحزب وحده بإلغاء ما هو قائم، فان المهمة الراهنة أمام الشيوعيين، جميع الشيوعيين، داخل التنظيم وخارجه، ممن لم يغادروا إلى خيارات سياسية أخرى، هي الالتفاف حول الحزب لانقاذه مما هو فيه، والسبيل الى ذلك هو العمل من أجل مؤتمر تكون أولوياته الرؤيا السليمة لتثبيت الخيارات الفكريّة والسياسية والتحالفات، لا التنافس الانتخابي الذي حصل في المؤتمرين الأخيرين فزاد في النزف وهدر الطاقات.
ان خلق مناخ مؤاتٍ لمؤتمرٍ بهذه المواصفات، يؤسس لاطلاق مرحلة نوعية جديدة في حياة الحزب، واستثنائية بتجميع طاقاته، يحتاج بداية إلى تشكيل لجنة تحضيرية بالتوافق، من كادرات حزبية داخل القيادة الحالية ومن خارجها، تضع أمامها مهمة إعادة صياغة وثائق الحزب بقدر من المبدئية والوضوح يحول دون انحراف أيّ قيادة ينتخبها المؤتمر، وتشرف على أعماله. ولعل من أولويات المهام المطروحة أمام هذه اللجنة، الدعوة الى عودة كل الشيوعيين الذين غادروا الحزب طوعاً او يأساً او بقرارات خاطئة أو تعسفية؛ فان أيّ مؤتمر يعقد وفق إجراءات فئوية، لا تحترم حق هؤلاء الرفاق في المشاركة، ويقتصر على الذين في متناول اليد، سيكون مؤتمراً ناقص الشرعية بل فاقدها، ويضرب بعرض الحائط مصلحة الحزب العليا، ولا يساهم في استنهاضه اوتمكينه من استعادة دوره في المعركة الكبرى الدائرة في المنطقة والعالم.إنّنا، وقد استنفدنا كل أشكال التواصل مع قيادة الحزب من لقاءات ونداءات ورسائل ودعوات للحوار والتلاقي والتجميع، ولم نلقَ إلا الأذن الطرشاء، نتوجّه إليها بهذا النداء الصادق لنعمل يداً بيد لإنقاذ حزبنا. وأمّا أنتم أيُّها الشيوعيّون في قواعد الحزب الذين صنعتم تاريخه في عشرات السنين، ورفضتم الخضوع للانهيارات، وتصديتم لمحاولات تغيير هُويّة الحزب واسمه، وتمسكتم بتراثه النضالي ودوره المقاوم، ونهضتم من بين الركام، فنتوجّه إليكم أيضاً بهذا النداء لأنّكم ضمانة الحزب، وعماده وأنتم قادرون على حماية تاريخه ومنع انحرافه اليوم، أمانة لتاريخنا ولتضحياتنا وتضحيات شهدائنا، ولنحتفل جميعاً بعيد الحزب كما يليق به الاحتفال".