بات الكلّ في لبنان مقتنعاً بما لا يقبل الشّك بأنّ لا انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المستقبل القريب، وأنّ الفراغ في كرسي الرئاسة الأولى في قصر بعبدا الذي يقترب من نهاية عامه الثاني سيستمر للعام الثالث، وسط شبه تسليم ببقاء فخامة الفراغ رابضاً على رأس السّلطة، إلى حين أوان تسوية لا تبدو قريبة.
هذا الإقتناع الذي بات يقيناً عبّر عنه بوضوح رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، الذي سئل، يوم أمس، عمّا إذا كان أمراً ما قد استجد حول الملف الرئاسي، فقال: “لا يوجد شيء على الإطلاق، لا مبادرات ولا غير مبادرات.. بعدنا محلنا”.
هذا الكلام الذي يقوله ما يُوصف بأنّه “الطبّاخ” الرئيسي للتسويات الرئاسية والسياسية في الداخل اللبناني، يدلّ على الجمود الذي يعيشه الواقع السياسي في لبنان وتعثّر جميع المساعي لإخراج البلد من واقعه الحالي، وسقوط جميع المبادرات الرئاسية واحدة تلو الأخرى، من المبادرة الفرنسية إلى مبادرة كتلة الإعتدال ومبادرتي التيّار الوطني الحرّ واللقاء الديمقراطي وصولاً إلى مبادرة المعارضة.
سقوط المبادرات واحدة بعد أخرى رافقه أيضاً رفض قوى المعارضة لأيّ لقاء حواري أو تشاوري، دعا إليه برّي مراراً قبل الفراغ وبعد دخول البلد بالفراغ، لأنّ من شأنه أن يُفضي إلى توافق على مرشّح أو مرشّحين، بما يؤدّي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، ما جعل برّي يعتبر بأنّ الكرة ليست في ملعبه، بل هي في ملعب رافضي الحوار والتشاور والتوافق، مؤكّداً إستعداده لعقد طاولة الحوار والتشاور فوراً إنْ كانوا راغبين بالتوافق، وإنْ لم يرغبوا بذلك “فعلى مهلهم”.
إنتقاد برّي لقوى المعارضة ليس نابعاً من فراغ، إذ برغم مرور هذا الفترة على بقاء الإستحقاق الرئاسي يراوح مكانه، فإنّ هذه القوى لم تخرج بأيّ مبادرة جديّة أو تقبل ما طُرح من مبادرات لسبب وحيد هو رفضها إنتخاب المرشّح الجدّي الوحيد للرئاسة وهو رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، منتقلة من ترشيح النائب ميشال معوض إلى ترشيح وزير المالية السّابق جهاد أزعور، وصولاً إلى طرحها التشاور على إسم ثالث لم تحدده وهو طرح لا يهدف سوى إلى إبعاد فرنجية، ملوحة بالسّلاح الوحيد الذي تملكه لهذه الغاية ألا وهو عرقلتها تأمين نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس في أيّ جلسة إنتخابية يعقدها المجلس النيابي.
هذا الجمود الداخلي يرافقه إنشغال الخارج المؤثّر جدّاً بالملف اللبناني بملفاته الداخلية والخارجية، وأبرز هؤلاء الولايات المتحدة التي انشغلت إدارتها الحالية بأكثر من ملف خارجي ليس من بينها لبنان، فضلاً عن إنشغالها بانتخاباتها الرئاسية، وهو إنشغال لن يجعلها تلتفت إلى الملفات الخارجية، ومنها الملف اللبناني، قبل شهر شباط من العام المقبل 2025 على أقلّ تقدير، عندما يستلم الرئيس الجديد، سواء كان الحالي جو بايدن أو الجديد ـ القديم دونالد ترامب، مهامه الرئاسية في البيت الأبيض.
موقع سفير الشمال الإلكتروني