لم تخطىء التقييمات وردود الفعل الأولى على مبادرة قوى المعارضة بخصوص الإستحقاق الرئاسي وإنهاء الفراغ في قصر بعبدا، من قبل أغلب القوى السياسية، من أنّ مصيرها سيكون الفشل، وبأنّها ستكون مشهداً إضافياً من الوقت الضائع على مسرح الحياة السياسية في لبنان في هذه المرحلة، ومحاولة ملئها بمبادرة من هنا وطرح من هناك إلى أن يحين أوان التسوية المنتظرة.
فمبادرة المعارضة التي تقف خلفها بشكل رئيسي القوات اللبنانية ظهر بوضوح أنّها سقطت سريعاً على أيدي من طرحوها وتبنّوها. فالمواقف التي أطلقها رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ونواب الحزب ومقربين منه وحلفاء له، التي كانت بمعظمها “ساخنة” وعالية السقف تجاه الآخرين الرافضين للمبادرة أو المتحفّظين عليها، وتحديداً الثنائي الشّيعي وحلفائه الداعمين ترشيح رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، أظهرت بوضوح أنّ من طرحوا المبادرة قدّموها لتُرفض وليس ليتم قبولها، أو النقاش حولها بالحدّ الأدنى.
إذ جرت العادة وطبيعة الحياة أنّ من يطرح مبادرة لحلّ ومعالجة أزمة ما أن يكون محايداً وليس طرفاً، أو أن يُمارس سياسة وسطية ويكون على مسافة واحدة من جميع الفرقاء، حتى يمكنه طرح مبادرته وتسويقها وصولاً إلى قبول الآخرين الإستماع لها والنقاش حولها .. ومن ثم قبولها كما هي أو معدّلة، وهي معادلة لا تنطبق على قوى المعارضة ولا على القوات اللبنانية.
فعندما تكون المبادرة برمتها مصوّبة، سياسياً، على رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله وفرنجية وحلفائهم، كان طبيعياً أن يعتبر رئيس المجلس (أعلن أنّه لن يجري أيّ حوار يتم فيه إقصاء أيّ طرف) عبر مقرّبين أنّ هذه المبادرة لا تعدو كونها “رقم إضافي في عدّاد المبادرات” التي تساقطت واحدة تلو أخرى منذ الفراغ الرئاسي قبل نحو سنتين.
واتضح من خلال النقاش الذي أعقب طرح المبادرة أنها “محاولة من المعارضة لرفع التهمة عنها بأنّها تطلق المواقف والإعتراض والرفض لكلّ مبادرة للحل، دون أن تقوم بأيّ مسعى إيجابي”، وبعدما فشلت طيلة 12 جلسة إنتخاب نيابية، كان آخرها في 14 حزيران من العام 2023، في تأمين عدد كاف من أصوات النواب أو استمالة نواب إضافيين لصالح مرشحيها النائب ميشال معوض ومن بعده وزير المالية السابق جهاد أزعور، ما جعلها تكتشف حجمها الحقيقي القائم على معادلة: عدم القدرة على الفوز ولكنّها تمتلك القدرة على التعطيل.
سقوط المبادرات واحدة تلو الأخرى، وآخرها مبادرة المعارضة، يؤكّد أنّ طبخة الإستحقاق الرئاسي لم تنضج بعد، وبالتالي فإنّ لا إنتخابات في الأفق القريب إنْ بسبب الإنقسام الداخلي، او بانتظار كلمة السّر الخارجية التي تنتظر توافق مسبق لدول إقليمية ودولية عليها، وهو إنتظار يتوقع أن لا يكون قصيراً.
موقع سفير الشمال الإلكتروني