وُلدت ميتة. بهاتين الكلمتين يمكن وصف المبادرة التي أطلقها نوّاب المعارضة أمس في مجلس النوّاب في مقاربتهم إستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية، والتي وصفوها بـ”خارطة طريق” إعتقدوا أنّ “بإمكانها تذليل العقبات أمام هذا الإستحقاق الدستوري أو قد تساهم في إتمامه”، حسب قولهم في مؤتمرهم الصحافي الذي عقدوه في المجلس لطرح مبادرتهم التي رأوا أنّها لـ”إخراج لبنان من حالة الجمود السياسي الذي أصابه نتيجة التعطيل المستمر لمؤسّسات الدولة”.
لكنّ النوّاب الـ14 الذين اجتمعوا أمس لعرض مبادرتهم لم يأتوا بجديد، ذلك أنّ مواقفهم ومقاربتهم للإستحقاق الرئاسي ما تزال على حالها، منذ الفراغ في كرسي الرئاسة قبل أقل من عامين، ما جعلهم أمس يبدون وكأنّهم يردّدون “إسطوانة” قديمة حفظوها عن ظهر قلب، وإنْ حاولوا تجميلها لجعلها تبدو جديدة وجدّية .. وذات جدوى.
في الشكل بدا نوّاب المعارضة متحدين. فقد حضر نوّاب حزبي القوات اللبنانية والكتائب وبعض النواب الجدد، لكن غاب عنهم إلى جانب نواب جدد آخرين نواب التيّار الوطني الحرّ الذين “تقاطعوا” مع نواب المعارضة في الإقتراع لوزير المالية السّابق جهاد أزعور في آخر جلسة عقدها المجلس النيابي لهذه الغاية، في 14 حزيران من العام الماضي، فكانت مقاطعة نواب التيّار البرتقالي هذه المرّة عن خارطة طريق المعارضة بعدما تقاطعوا معهم على تأييد أزعور، مؤشّراً على أنّ المعارضة تقلصت رقعتها ولم تتسع، ولم تستطع طيلة الفترة السابقة إستمالة أيّ نائب أو قوة سياسية إلى جانبها، بل خسروا من ظنّوا يوماً أنّه أصبح في صفّهم.
بعيداً عن العبارات الإنشائية التي تضمّنها بيان نوّاب المعارضة، فقد تبيّن أنّ مباردتهم تتضمن إقتراحين لإنهاء الفراغ الرئاسي، وهما إقتراحين لا يركبا على “قوس قزح”، ولا يتوقع أن يكون مصير مباردتهم أفضل حالاً من المبادرات السابقة: المبادرة الفرنسية، مبادرة كتلة الإعتدال، مبادرة كتلة اللقاء الديمقراطي ومبادرة التيّار الوطني الحر، وهي مبادرات توقفت في أول الطريق أو في منتصفه، بينما مبادرة نواب المعارضة يوم أمس ماتت قبل أن يجفّ حبر البيان الذي تلوه.
فالإقتراح الأول الذي قدّموه لإخراج الإستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة ليس جديداً، وهم يعلمون جيداً بأنّ لا أمل له في الحياة، وبالتالي فإنّ إعادتهم تكراره، وهو “إلتقاء النواب للتشاور في المجلس، بلا دعوة رسمية أو مأسسة أو إطار محدد”، في إشارة إلى رفضهم أن يكون رئيس المجلس نبيه برّي داعياً وراعياً لأي لقاء حواري أو تشاوري، يدلّ على أنّ هذا التكرار يعكس مراهقتهم السياسية وعدم جدّيتهم في طرح مبادرتهم.
أمّا الإقتراح الثاني فهو عبارة عن “بدعة” دستورية وعملية “تشاطر” سياسي. إذ بعدما قبلوا أن يُوجّه برّي الدعوة للنوّاب للتشاور، فإنّهم وضعوا عليه شروطاً مسبقة في كيفية إدارة الجلسة، وهي شروط يدركون قبل غيرهم أنّه تمّ وضعها لترفض وليس كي يتم التناقش حولها وقبولها، بشكل لا يترك مجالاً كبيراً أمام المعنيين، في الداخل أو في الخارج، كي يتيقنوا بأنّ طرح المعارضة “خارطة طريق” لإنهاء الفراغ الرئاسي هو أشبه ببوصلة معطلة لن توصل إلى أيّ مكان.
موقع سفير الشمال الإلكتروني