2024- 07 - 08   |   بحث في الموقع  
logo توتر كبير في نهر البارد.. ماذا يجري؟ logo شهداء في قصف للاحتلال جنوب مدينة غزة logo أكرم زافي في معرضه... يناشد الأعماق غير العقلانية للاوعي logo "تناقضٌ ملحوظٌ"... التعداد السكاني يثير الدهشة في ألمانيا logo "احذروا السباحة في البحر"... الدفاع المدني يرفع الصوت! logo اضربوا إيران بالنووي... ليبرمان: علينا إرباك حماس وحزب الله logo بعد موجة الغضب على فيديو "العناق الإسرائيلي"... البرغوثي يعترف logo شهيد جديد لحزب الله.. من هو؟
الفينيقيون... لا وجود لهم كأمّة أو جماعة إثنية
2024-07-05 13:25:28

يذهب كتاب "الفينيقيون اختراع أُمّة" للمؤرخة والأثرية المتخصصة في العصر القديم، جوزيفين كراول كوين(*)، الى أن الفينيقيين لم يكونوا أمّة أو شعباً واعياً بذاته، ولم ينظروا الى أنفسهم أو يتصرفوا على هذا النحو، ولم ينظر الآخرون إليهم أو يتصرفوا معهم على هذا النحو. ويغوص الكتاب في الأدب القديم والنقوش والعملات والأدلة الفنية بحثاً عن الهويات التي تبناها الفينيقيون، من المشرق إلى الأطلسي، ومن العصر البرونزي الى العصر القديم المتأخر وما بعده، ليخلُص إلى أن الفينيقيين لا وجود لهم كأمّة أو جماعة اثنية، وأن تصويرهم كشعب متماسك له هوية وتاريخ وثقافة مشتركة حدث في سياق الايديولوجيات القومية الحديثة، ويتعارض مع المصادر القديمة.ويسأل المترجم: إن كان الأمر كذلك، فأين ومتى أصبح الفينيقيون "أمة" على النحوة الشائع حالياً؟ الاجابة أن بعث الفينقيين كـ"أمة" وشعب" حدث بعد انتهاء التاريخ الفينيقي تماماً (بسقوط صور أمام الإسكندر في العام 332 ق ح ع(**) وقرطاجة أمام الرومان في العام 146 ق ح ع) ضمن موجات من الحماس أبداها مفكرون هنا وهناك لادعاء الانتساب الفينيقي لشعوبهم، بداية من البحر المتوسط الهيلينستي والروماني، مروراً بدول ناشئة في أوروبا العصر الحديث المبكر، وصولاً إلى دول قومية معاصرة في حوض البحر المتوسط.هناك مَن يُرجع الفضل للفينيقيين القدماء في اكتشاف كل شيء، من النجم القطبي الى الشاي بالكعك الكورنوالي، ولا ريب في أن البحارة والتجار والمستوطنين من الشريط الساحلي الضيق الواقع أسفل جبل لبنان، كان لهم تأثير أكبر من حجمهم في البحر الأبيض المتوسط القديم، إذ استغلت جماعة من التجار، موانئ مشرقية، منها صور وصيدا وبيبلوس وبيروت، في عدد من الفرص الجديدة لبيع خشب الأرز من جبل لبنان، جنباً إلى جنب مع أشياء مصنوعة من العاج والمعدن والزجاج، في مقابل المعادن الخام من الغرب. في أثناء ذلك أدخلوا تحسينات على فن الملاحة وعلموا اليونانيين، كما قيل، شكلاً آخر من اختراعاتهم وهو الأبجدية. أبحر هؤلاء التجار على طول البحر المتوسط وما وراءه وأسسوا بداية من القرن التاسع قبل الميلاد، على الأقل، مستوطنات جديدة، من قبرص القريبة من الساحل الأطلسي لاسبانيا، وذلك قبل وقت طويل من شروع اليونانيين في الهجرة غرباً. وكانت المستوطنة الفينيقية الأشهر في الغرب هي قرطاجة التي أسستها وفق الأسطورة الأميرة السورية ديدون، لتصبح قوة رئيسة في ذاتها، نافست روما على السيادة في الغرب، بل كادت تنتصر عليها إبان عهد هنبعل برقة، واعتبرها المؤرخ اليوناني بوليبيوس، الذي شهد دمارها النهائي على أيدي الرومان في العام 146 ق ح ع، أغنى مدينة على وجه الأرض في زمانها.
لم ينلْ تاريخ الفينيقيين وثقافتهم الاهتمام الكافي من جانب المؤرخين والأثريين المعنيين بالعصر الكلاسيكي الذين أظهروا اهتماماً أكبر بمجد اليونان وعظمة روما. يرجع ذلك لاعتبارات علمية منها الحاجة لتعلم اللغات القديمة. كما أن اندثار أدب فينيقي، أخرَج الفينيقيين من دائرة اهتمام معظم دارسي العصر الكلاسيكي الذين يُدرَّبون على النصوص اليونانية واللاتينية حصراً.لا تهدف الكاتبة من دراستها إلى إنقاذ الفينيقيين من الإهمال المجحف بحقهم، بل إثبات أن الفينيقيين لم يكونوا جماعة أو "شعباً" واعيا بذاته كما قلنا، حتى إن كلمة فينيقي اختراع يوناني، ولا أدلة وجيهة في المصادر القديمة على أن الفينيقيين نظروا إلى أنفسهم او تصرفوا بطرقة جماعية تتجاوز مستوى المدينة.يتقصى الكتاب عوضاً عن ذلك، الجماعات والهويات التي كانت لذلك الشعب القديم الذي تعلّمنا أن نسميه الفينيقيين، ويبحث في ذلك الحماس الذي أبداه شعب أو آخر لادعاء الانتساب الفينيقي، بداية من اليونان وروما القديمتين، مروراً بدول ناشئة في أوروبا العصر المبكر، وصولاً إلى دول قومية معاصرة في البحر المتوسط. كان بعث الفينيقيين على هذا النحو، الأساس وراء تصويرهم الحديث كشعب، وهي فكرة عبّر عنها عالم الاجتماع إرنست غلنر بالقول "إن القومية لا تعني ايقاظ الأمم على الوعي بذاتها، بل تعني اختراع الأمم من العدم"، في حالة الفينيقيين، تذهب المؤلفة إلى أن الإيديولوجيا القومية الحديثة اخترعت أمّة قديمة ثم غذت بقاءها.ينقسم الكتاب الى ثلاثة أبواب، هي نسخ موسعة من محاضرات ألقتها الباحثة في جامعة تافتس الأميركية، ويضع الكتاب الصورة المألوفة للفينيقيين كشعب أو ثقافة متماسكة في مقابل القصة المختلفة تماماً التي تحكيها المصادر القديمة، فيضع الصورة الحديثة للشعب الفينيقي ضمن خطاب العصر الحديث وسياسته. يبدأ من لبنان وتونس القرن العشرين، اللتين وجدت الدولة القومية الجديدة فيهما نفعاً في استدعاء الفينيقيين كأسلاف فعليين وروحيين لهما. وتذهب المؤلفة إلى أن الاستعمالات الحديثة للفينيقيين القدماء تقوم على تصور أساسي للفينيقيين كأمة، وهي فكرة كانت جديدة نسبياً في ذاتها، إذ نشأت في أوروبا القرن التاسع عشر عن التفسيرات القومية للعنصر القديم.
على النقيض من ذلك، تبيّن الكاتبة تهافت الأدلة القديمة على تعريف الفينيقيين لأنفسهم على أنهم جماعة إثنية، بتعبيرنا الحالي، فمع أنه تتوافر حالياً عشرة آلاف نقش باللغة الفينيقية، فإنها كلها على وجه التقريب نقوش نذرية أو جنائزية. وهي بذلك تعرّف الشخص على أنه مقدم نذر أو ميت، أي تعرفه بقراباته العائلية، ولا أدلة مما قبل العصر القديم المتأخر على شعب أشار الى نفسه بإسم الفينيقيين، او استعمل وصفاً جامعاً آخر للذات، أو على وجود حس الاشتراك في الاسلاف أو الأصول أو الوطن. ثم تتحول المؤلفة في الفصل الثالث من التصورات الداخلية الى الخارجية، تحديداً الى أدب اليونانيين والرومان، لتوضيح ان هذا الأدب حتى عندما عرّف الفينيقيين كجماعة، استعمل الكلمة كتسمية مبهمة تثير العديد من التمييزات الاجتماعية والثقافية، منها الاختلافات اللغوية، وليس للإشارة إلى جماعة إثنية مميزة يجمعها التاريخ أو الوطن أو التحدر.تتناول الكاتبة كيف تصرّف متحدثو الفينيقية وكيف تفاعلوا في الداخل والخارج، من دون الانطلاق من افتراض أنهم كانوا يتصرفون كـ"شعب". فلا أدلة من الثقافة المادية على وجود حضارة او هوية فينيقية أكبر، إلى أن بدأت قرطاجة في نهاية القرن الخامس ق ح ع. تسكّ عملات نقشت عليها نخلة، وحتى ذلك لم يكن تبنّياً لهوية جامعة بقدر ما كان استغلالاً لفكرة خارجية بشأن الانتساب الفينيقي بغية توطيد قوة قرطاجة الإقليمية المتنامية. تركز الباحثة على تأثيرات الاستيطان في ما وراء البحار، إذ أنتجت ديناميات الهجرة مجموعات جديدة من الصلات الثقافية والسياسية بين جماعات فرعية من متحدثي الفينيقية، تجاوزت الصلات العائلية والمهنية والمدينية. وتتقصى مثالين لخلق الجماعة أو الفضاء الديني، الأول هو عبادة بعل حمون، من قبل مجموعة فينيقية، والثاني هو عبادة ملقرت، من مجموعة أخرى. كانت قرطاجة فاعلاً مركزياً في الجماعتين أو المجموعتين، والمستوى الجديد من الترابط السياسي والديني والثقافي عبر البحر المتوسط الناطق بالفينيقية خلال القرن الرابع ق ح ع. وتزامن، هنا أيضاً، مع صعود تلك المدينة الى مكانة القوة الامبراطورية.- يتبع -(*) صدر ضمن سلسلة عالم المعرفة في الكويت، ترجمة مصطفى قاسم.
(**) مختصر "قبل الحقبة العامة"، يستعمله المؤلف بدلاً من "قبل الميلاد".


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top